في 2009، أبدى المؤرخ الإيطالي أنجيلو ديل بوكا أسفه على عدم اكتمال مشروع ترجمة كتابه "الإيطاليون في ليبيا". كان يعتقد أن هذا الكتاب يمكنه أن يشكّل جسوراً متينة لبناء علاقات جديدة بين إيطاليا وليبيا، لكن الرياح سارت في اتجاهات غير متوقّعة. ففي 2011، تحالفت دول غربية، منها إيطاليا، لإسقاط نظام معمّر القذافي. وقتها، ارتفع صوت ديل بوكا في وسائل الإعلام بأن بلاده تقترف خطأ جديداً، لكن صوته ذهب أدراج الرياح.
يوم الثلاثاء الماضي، رحل المؤرّخ الإيطالي عن عالمنا، وهو الذي يعدّ أحد أبرز المختصين في حيثيات الغزو الإيطالي لليبيا بداية القرن الماضي، وهو ما جعله لاحقاً أحد أهم المتحدّثين في الشأن الليبي، حين عادت بلاد عمر المختار إلى واجهة الأحداث مع سقوط نظام الجماهيرية ودخولها في حالة من الفوضى كانت سبباً في ارتفاع حركة الهجرة غير الشرعية، وهو ما مثّل إشكالية عميقة لإيطاليا.
يأتي تخصّص ديل بوكا (1925 - 2021) في الاستعمار الإيطالي لليبيا ضمن إطار أوسع اشتغل عليه، هو التاريخ الكولونيالي الإيطالي، أي أن مجال اشتغاله أوسع من الجغرافيا الليبية؛ حيث يمتد إلى الصومال وأثيوبيا وإيرتريا.
يعد ديل بوكا أبرز مؤرخ ذي نزعة مراجعاتية في تاريخ إيطاليا الاستعماري؛ حيث أنه يلاحظ امتداد الرواية الفاشية عن الحروب الكولونيالية في أفريقيا دون تمحيص في كثير من العناصر التي لا يمكن أن تتماشى مع أخلاقيات البحث العلمي الحديث.
من أبرز مؤلفات: "الفاشية اليوم" (1965)، و"الإيطاليون في أفريقيا الشرقية" (صدر في أربعة أجزاء من 1976 إلى 1987)، و"الإيطاليون في ليبيا" (1997)، وأصدر كتاباً مصوّراً في 2002 اعتُبر ملخصاً لأعماله وحمل عنوان "الإمبراطورية الأفريقية للفاشية"، وفي 2009 نشر كتاباً نقدياً بعنوان "إنكار التاريخ".