ينتمي الشاعر الفلسطيني الأردني رزق أبو زينة (1946 – 2021) الذي رحل أمس الأحد في عمّان بعد صراع مع المرض، إلى جيل من الشعراء برز في نهاية السبعينيات ضمن موجة قصيدة ركّزت مضامينها على المقاومة ضدّ الاحتلال، ومنهم محمد الظاهر، وأمجد ناصر، ومحمد إبراهيم لافي.
وُلد الراحل في بلدة سجد (أراميا) بالقرب من مدينة الرملة في فلسطين، حيث هُجِّر مع عائلته بعد احتلالها على يد العصابات الصهيونية عام 1948 إلى العاصمة الأردنية، التي استقرّ فيها وعمل في العديد من المهن حتى يؤمّن رزقه، وبموازاة ذلك كتب قصائده التي اتسمت بأسلوبها الغنائي وحماستها، وغلب عليها الطابع الوطني.
في الثمانينيات، لاقت أشعاره انتشاراً مع غناء "فرقة بلدنا" التي أسّسها الموسيقي كمال خليل بعضاً منها مثل "اعتذار آخر للوطن" التي تقول كلماتها "أحاول أن أتغرّب عنك كي أشتهيك/ أحاول أن أتصرف مثل الصغار"، وأخرى بالدارجة الفلسطينية مثل قصيدة "أبو الزلف" التي يدوّن فيها "يا أبو الزُّلف يلّلي/ رابِض ورى التَّلة/ آه.. يا جناح عصفوره/ ع الدنيّا مقهوره/ الجوره محفوره/ كيف بدّو يوصلّك خِلّي../ يلّلي أناشيدَك/ اتفجّرَت بإيدَك/ شفتَك على كِتفَك/ حامِل خَبَر حَتْفَك/ يومِ العَلَمْ لفَّك../ كان النَّدَى يصَلِّي".
غنّت "فرقة بلدنا" التي أسّسها الموسيقي كمال خليل بعضاً من قصائده
وأصدر مجموعتين شعريتين عام 1983 تحت عنواني "قصائد حب" و"اعتذار آخر للوطن"، وواصل كتابة الشعر حيث كتب مجموعة من القصائد التي عبّرت عن رفضه لاتفاقية أوسلو عام 1993، ومنها قصيدة "تنازل" التي يرد فيها: "تنازل تنازل، ابصم لا تتباخل/ واركع مع الراكعين/ ما اللي بيتنازل عن حقه بيستاهل/ يحكم بلاد الصين/ يحكم على كيفه ويكبر وسط خوفه/ ويحرز لقب مسكين/ ما اللي غفا سيفه ما بتسمح ظروفه/ يحمي حمى ضيفه أو يرتفع له جبين".
صمَت أبو زينة خلال العقدين الأخيرين ولم ينشر جديداً، كما اعتزل المشهد الثقافي الأردني حيث غاب واكتفى بنشر قصائده القديمة على صفحته في فيسبوك.
ينشر "العربي الجديد" قصيدته "أغاني سجد":
قال لي مرّةً
وكُنّا جلوسًا على صخرةٍ
في أعالِي الجَبَل
وإبْريلُ يقْفِزُ خَلْفَ الصِغارِ
وَيَمْنَح للقُبَّرات القُبَلْ
وكانت نقاطُ المَطَر
تُطاردُ سِرْبَ الفَراشِ
وتكْمُنُ للْجُنْدُبات الأنيقاتِ
في قبعات الزَّهَرْ
بأنّ َ(...سَ جَ....دْ )
كَكل بنات البَلَدْ
لَها وَجْهُها الأسْمَرانِيُّ
والبَصَرُ المتَقــد
وأنّ الغِلال
على صَدْرها كالتلالِ
فلا جائعٌ في ثراها
ولا مضطهد
فلوْ جئتها في الصباحِ لوَجَدتَ الرياحَ
تُداعب ستّ الملاحِ
وتَرْشُقُها بالَّزبَدْ
وَلَوْ جئتَها في المَساءِ
لوَجَدتَ النساءَ
نوافيرَ ماءٍ
تُحيلُ العَنَاءَ إلى شُعْلَةٍ
في عظام الجَسَدْ
وحَوْلَ المَرايا
تَرِفُّ الصَبايا
يُطالِعْنَ نهرَ الجمالِ
الذي بالجلال انفَرَدْ
وفي أمسياتِ السَّمَرْ
ترى أنجُمَاً تنهَمرْ
صُوَرْ
يا إلهي
كَأنَّكَ في جنَّةٍ بُعْثِرَتْ
في وَتَر
فحينَ يكونُ الشبابُ الشبيهونَ بالنَهرِ
يستَقْبِلونَ القمر
تكونُ حبيباتُهم كالزَّهَر
تكونُ الخدودُ كرومَاً
قدْ اشْتَلَتْ بالثَّمَرْ
وَحينَ يُنادي المُنادي
(إلى ساحةِ الرَقصِ)
تَسْتَبِقُ الضَّحكاتُ البَشَرْ
وتَرْتاحُ فوْقَ الخُصورُ الأيادي
صُوَرْ
يا إلهي
كأنَّكَ في غابةٍ والنَدى
طافحٌ مِنْ غصونِ الشَجَر
ولَحنُ الأراغيلِ يلقي بِهَمِّ المَحَاريثِ
فوْقَ الرَّمادِ
وحين ينادي المنادي
إلى المجدِ هُبّوا
لقد أقبَلَتْ خَيلُ صَهْيُونَ
من كلِّ وادٍ
تكون الأصابعُ مشكولَةً
بالزنادِ
تكون الصَّبايا الرَّقيقاتُ
هُنَّ البواريد مشحونَةً بالعتادِ
يكونُ المحبون بوابةَ الشمس
عندَ اختِبارِ الجيادِ
.. (سَجَدْ)..
فتاةُ الجبالِ التي
ما انحَنَتْ لأحَد
كما الأمّ كانت
ولكنهمْ أغْلَقوا قَلْبَها بالزَّرَدْ