رحيل عبد الجبار العش.. فانتازيا روائية بإسقاط سياسي

25 سبتمبر 2024
عبد الجبار العش (1964 - 2024)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- توفي الشاعر والروائي التونسي عبد الجبار العش (1960-2024) بعد صراع مع المرض، تاركاً مجموعتين شعريتين وروايات بارزة تمزج بين الواقع والفانتازيا.
- أصدر العش روايات مثل "وقائع المدينة الغريبة" و"أفريقستان"، التي تناولت قضايا سياسية واجتماعية معقدة، وأشهرها "محاكمة كلب" التي تقاطعت مع سيرته الذاتية.
- أكد العش في مقابلة صحافية أن الكتابة الروائية أتاحت له اكتشاف ذاته والتعبير عن قضايا عصره بعمق أكبر من الشعر.

رحل، مساء أمس الثلاثاء، الشاعر والروائي التونسي عبد الجبار العش (1960 - 2024) بعد صراع مع المرض، تاركاً مجموعتين شعريتين أصدرهما في التسعينيات، قبل أن ينتقل لكتابة الرواية مطلع الألفية الثالثة، مجترحاً أسلوباً خاصاً يعتمد بشكل أساسي على مزج الواقع بالفانتازيا.

وُلد العش في مدينة صفاقس وتخرج من قسم التربية البدنية بمعهد ترشيح المعلمين فيها، حيث عمل في التدريس سنوات عديدة، ثم غيّر وجهته نحو الأدب، من خلال نشر مختارات من قصائده في مجموعتَي "قصائد تحترق" (1992) و"جلنار" (1997). ورغم انعطافه نحو السرد الروائي، إلا أن اللغة الشعرية لم تفارقه.

يقول في قصيدة "لن يمروا" التي تغلب عليها لغة حماسية ثورية: "لن يمرّوا دمي اتحد الآن بالشهداء/ لن يمرّوا وشرعت صدري لأحمي الجدار/ لن يمرّوا وإن عبروا...! على جثتي لا خيار/ أظل هنا واقفاً كالجبال أغنّي/ وأرسم وجه الوطن العنيد بدمي/ وأنحت من الكبرياء النهار.. لا خيار".

تقاطعت روايته الثالثة ’محاكمة كلب‘ مع محطّات من سيرته الشخصية

في عام 2000، أصدر رواية أولى تحت عنوان "وقائع المدينة الغريبة"، تدور أحداثها بعد عجز أحد رواد مقهى المدينة عن رفع جسده عن الكرسي، لتنتشر بعد ذلك عدوى العجز ويصاب سكان البلاد جميعهم بالشلل التام، وتعمّ حالة من اللاجدوى وانعدام المعنى في إسقاط على الواقع السياسي التي تعيشه تونس في تلك الفترة.

وعلى المنوال ذاته، قارب العش قضايا سياسية واجتماعية مركبة في روايته "أفريقستان" (2002) تتعلّق بالدكتاتورية ومستقبل الغذاء في العالم، بحسب وقائع عاشها صحافي أجنبي يتمتع بقوة تتيح له اختراق أمكنة سرية في القارة السمراء التي يتمّ نهبها وتجويع سكّانها الذين يصطفون في طابور طويل جداً للهجرة إلى أوروبا المسؤولة الأولى عن سرقة ثرواتهم.

أما روايته الأكثر انتشاراً فحملت عنوان "محاكة كلب" (2008)، وهي تتقاطع مع محطّات عديدة من سيرته الذاتية، حيث يتناوب بطل العمل بين أطوارٍ حيوانية وأُخرى بشرية، وتتمّ محاكمته بتهم شتى عن أسباب وجوده في العالم، وعن جملة من المهمشين والمنسيين في بلاده تونس.

يقول عبد الجبار العش في مقابلة صحافية إن الكتابة الروائية أتاحت له "اكتشاف الغامض فيّ وفسحت لي درباً للبوح أرحب من فضاء الشعر، كما مكنتني من رؤية قضايا عصري بعيني نسر"، مضيفاً: "اشتغالي على روايتي الرابعة وهي امتداد للسيرة الذاتية في 'محاكمة كلب' وضعني أمام أسئلة وجودية لم تكن تخطر لي على بال. فصرتُ في مواجهة يومية مع أسئلة كينونتي ككاتب من قبيل: إلى أيّ مدى يمكن أن أتعرى أمام القراء؟ وهل يحق لي الكشف عن حقائق ثمنها خسارة صداقات عديدة؟ وأين الخيط الفاصل بين حريتي ككاتب وتعريض التاريخ الشخصي لبعض معارفي للخطر؟". لكن هذه الروائية لم تُنشر حتى رحيله.

المساهمون