منذ أكثر من عقدٍ من الزمن، ظهر عبّاس حمزة كواحدٍ من أبرز وجوه الإعلام الثقافي في العراق، بفضل البرامج الحوارية التلفزيونية التي قدّمها، والتي استضاف فيها عدداً كبيراً من المثقّفين ومن رموز المشهد الأدبي والفكري والفنّي في البلد، مناقشاً معهم قضايا وأسئلةً جوهرية قلّما يجري التوقّف عندها على شاشات التلفزة.
صباح اليوم الجمعة، رحل الإعلامي العراقي مبكّراً، وهو ما يزال في الثانية والأبعين من العُمر (1981 ــ 2023)، في أحد مستشفيات بغداد، بعد فترةٍ من إصابته بشكل مفاجئ بمرض عضال.
ونشرت "وكالة الأنباء العراقية" الرسمية، ظُهر اليوم، بياناً قالت فيه إنه "برحيل حمزة، الذي وافته المنية مع حلول عيد الفطر، بعد تدهور حالته الصحية، فقدت شبكة الإعلام العراقي أحد وجوهها البارزة، وواحد من أبنائها المخلصين"، في إشارة إلى عمل حمزة لنحو خمسة عشر عاماً في قناة "العراقية" الحكومية.
بدأ الراحل مسيرته الإعلامية من خلال برنامج "قوافي"، الذي قدّمه عام 2008 على شاشة التلفزيون الرسمي، واستضاف فيه شعراء من مختلف المشارب، قبل أن ينتقل للعمل على برامج ثقافية أُخرى سيقدّمها في السنوات اللاحقة، مثل "الوجه الآخر" (2010)، و"الساعي" (2011)، و"عود ثقاب" (2012).
إلّا أنّ ذيوع شهرته في الأوساط الثقافيّة سيكون مع برنامجه الحواري "حديث العمر"، والذي قدَّمه بين عامَي 2012 و2015، وحاور فيه أسماء من مختلف الشرائح الثقافية، من كُتّاب وشعراء وفنانين ومخرجين وخطّاطين وموسيقيين، مساهماً في الوقت نفسه بتعريف الجمهور الكبير على العديد من الوجوه التي كانت مجهولة أو غائبة عن الأضواء الإعلامية.
نجاحٌ سيستكمله حمزة مع برنامجَي "الطريق" و"أكابر"، اللذين أطلقهما عامَي 2016 و2017 على التوالي، واستمرّ في تقديمها حتى فترة قريبة قبل إصابته بالمرض. كما تسلّم، في الوقت نفسه، مهامّ إدارية في "العراقية"، مثل رئاسة قسم المقدّمين فيها.
تجاوز حمزة الفهم الكلاسيكي في تقديم البرامج الحواريّة الثقافيّة، مانحاً إيّاها حيويّةً خاصّة من خلال أسلوبه في جعل الضيوف يتحدّثون عن طفولتهم وبداياتهم ومراحل من حياتهم انطلاقاً من سؤالٍ عن تفصيلٍ من هذه القصيدة أو ذاك الكتاب أو تلك اللوحة، ومن خلال أسئلته الكثيرة، والمباغتة، والتي تحمل في كثير من الأحيان معانيَ عدّة، باعتبارها تقوم أحياناً على المجاز والتورية؛ أسلوبٌ تحوّل معه عبّاس حمزة إلى صوتٍ خاصّ في الإعلام الثقافي العراقي.