يعدّ الروائي الياباني كنزابورو أوي (1935 – 2023)، الذي غادر الدنيا في الثالث من الشهر الجاري، ولم يعلن ناشره عن رحيله إلّا اليوم الاثنين، أحد أبرز كتّاب السرد في بلاده عقب الحرب العالمية الثانية، حيث كرّس معظم أعماله في مواجهة العنف والقتل والتجارب النووية.
في عام 1963، وُلد طفله الأول هيكاري، وهو يعاني من إصابة خطيرة في الدماغ، حيث نشر بعد عام كتابه "هموم شخصية" وتحدّث فيه عن أب يرفض إعاقة ابنه ويفكّر في قتله، في نقد لاذع للتحيّزات الاجتماعية ضد ذوي الإعاقة.
وُلد أوي الحائز على "جائزة نوبل للآداب"، عام 1935 في جزيرة شيكوكو جنوب غرب اليابان، وكان الابنَ الثالث في عائلة تتكوّن من سبعة أطفال، حيث روى تفاصيل طفولته لاحقاً في عدد من روايته، ومنها "ملاحظات حول هيروشيما" (1965) حول تلك اللحظة التي غيّرت، بحسب وجهة نظره، العالم إلى الأبد؛ الدمار الذي حلّ بالمدينة اليابانية بعد إلقاء الولايات المتحدة قنبلة نووية عليها، والجهود الشجاعة من قبل الأطباء والناجين لمواجهة تداعيات الحدث التي دامت سنوات عديدة.
يعدّ أحد أبرز كتّاب السرد في اليابان عقب الحرب العالمية الثانية
كما يستذكر معلّمه في المدرسة الابتدائية الذي كان يلقّنه الالتزام والطاعة المطلقة للإمبراطور الذي يجب أن يموت المرء من أجله، لكنه كان يشعر بالخجل والعار قبل نومه، حيث أدرك باكراً أن يتعلّم الأكاذيب لتتنامى لديه مشاعر العداء تجاه السلطة المطلقة، ما جعله يرفض بعد حوالي أربعين عاماً تسلّم وسام الثقافة الياباني الذي يمنحه الإمبراطور، معلّقاً: "أنا لا أعترف بأية سلطة، أية قيمة، أعلى من الديمقراطية".
بدأ أوي نشر قصصه منذ عام 1957، بعد نيله درجة البكالوريوس في الأدب الفرنسي من "جامعة طوكيو" في السنة ذاتها، وانخرط بعدها في الحياة العامة حيث شارك ضمن مجموعة من الكتّاب والفنانين والموسيقيين تأسّست عام 1959 باسم "جمعية اليابان الشباب"، معارضاً معاهدة الأمن الأميركية اليابانية، ليُصاب مثل العديد من أبناء جيله بخيبة أمل، بسبب فشل هذه الاحتجاجات، وإحساسهم المتعاظم بهزيمة اليابان، وخضوعها للهيمنة الأميركية.
بعد نشر مجموعة قصصية، أصدر الراحل روايته الأولى بعنوان "اقتلعوا البراعم، اقتلوا الأولاد" (1958)، والتي تُرجمت للعربية العام الماضي، وتناول فيها قصّة خمسة عشر فتىً مراهقاً جرى إجلاؤهم في زمن الحرب العالمية الثانية إلى قرية جبلية نائية، حيث كان الفلّاحون هناك ينبذونهم، وعند انتشار الطاعون، فرّ القرويون، وأبقوا الأولاد داخل البلدة المهجورة ليواجهوا الموت.
وتُرجمت أيضاً للعربية روايته "الموت غرقاً" (2009) التي تروي قصّة كاتب ذائع الصيت يدعى كوغيتو، يقرّر وهو في عقده السابع أن يكتب سيرة والده الذي مات غرقاً خلال الحرب العالمية الثانية، من خلال العودة إلى صندوق يحتوي مذكراته التي تكشف الأوضاع السياسية والاجتماعية والعلاقات الأسرية في تلك الفترة.
ترك كنزابورو أوي العديد من الروايات، منها "الصرخة الصامتة" (1967)، و"علّمنا كيف نتجاوز جنوننا" (1977)، و"عصرنا" (1979)، و"استيقظْ أيها الإنسان الجديد" (1983)، و"عضّة فرس النهر" (1985)، و"عندما هُزم المخلص" (1993)، وغيرها.