رحيل محمد بلاسم: سيرة مع الرسم والتصميم النقد

10 ابريل 2021
(بلاسم محمد)
+ الخط -

في حوارٍ صحافي أُجري معه قبل قرابة سنةٍ مِن اليوم، أجاب الفنّان التشكيلي والأكاديمي العراقي، بلاسم محمد، عن سؤالٍ حول ما تُعلِّمنا إياه جائحة كورونا بالقول إنّها "تُعلِّمنا أنّ هناك أشياء لا يمكن التكهُّن بها، ويمكن أن تنقلك مُجبَراً إلى تغيير حياتك... علينا أن نُؤمِن بأنه لا بُدَّ من تغيير طبائعنا"، مُضيفاً في إجابته عن سؤالٍ آخر عن توقُّعاته حول عالَم ما بعد الوباء قائلاً: "سيتغيّر العالَم لأنه أُصيب باهتزاز بنيوي".

لم يعش أستاذ الفنون التشكيلية في "كلية الفنون الجميلة" بـ بغداد طويلاً ليشهدَ التغيُّرات التي يشهدُها عالَم ما بعد كورونا؛ إذ رحل أمس الجمعةُ والوباءُ لا يزالُ متفشّياً، وكانت إحدى ضحاياه زوجتُه التي رحلت متأثّرةً بالفيروس خلال الشهر الماضي.

وقالت وسائل إعلامٍ محلّية إنَّ التشكيلي العراقي (1954 - 2021) رحل إثر مضاعفات فيروس كورونا في أحد مستشفيات بغداد؛ حيث مكث في العناية المركّزة عدّة أيام، بينما ذكرت وسائل أُخرى أنه أُصيب بجلطة دماغية مفاجئة، في حين لم تُشِر وزارة الثقافة العراقية، التي نعته في بيانٍ عبر حسابها على "تويتر"، إلى سبب الوفاة.

زاوَج بين الممارسة الفنية مِن جهة وبين التدريس والتأليف مِن جهةٍ ثانية

درس بلاسم محمد، الذي وُلد في محافظة النجف، الغرافيك والخطّ العربي في "معهد الفنون الجميلة" ببغداد، الذي تخرّج منه بداية السبعينيات. وخلال فترة دراسته، بدأ العمل مُصمِّماً في مجلّة "مجلّتي" ثمّ "المزمار" الموجّهة للفتيان، والتي أصبح كبير مصمّميها حين تحوّلَت في ما بعدُ إلى دار نشرٍ باسم "دار ثقافة الأطفال". وفي مطلع الثمانينيات، أسّس مع مجموعةٍ من الفنّانين العراقيّين مؤسّسة مستقلّة متخصّصة في فن التصميم باسم "أدد".

وطيلة مسيرته، زاوَج محمد بين الممارسة الفنية مِن جهة وبين التدريس والتأليف مِن جهةٍ ثانية؛ حيثُ عمل في التصميم الطباعي مع عددٍ غير قليل مِن دور النشر العراقية وشارك في عدد من المعارض في العراق والأردن ولبنان والبحرين والإمارات وتركيا وغيرها، وأصدر العديد مِن الكتب التي كان الفنُّ موضوعها المشترك؛ مثل: "الفن التشكيلي: قراءة سيميائية في أنساق الرسم"، و"الفن المعاصر: أساليبه واتجاهاته"، و"الفن والعمارة"، والفن والقمامة: تبدُّل الذوق الجمالي"، و"عزلة الفن في الثقافة العراقية"، و"تأويل الفراغ في الفنون الإسلامية"، و"شغب الفن: القبول والرفض". كما شارك في تأليف كتب جماعية؛ مثل: "دراسات في الفن والجمال"، و"قراءات وأفكار في الفنون التشكيلية".

عمل لبلاسم محمد - القسم الثقافي
(من أعماله التشكيلية)

ويَعتبر نقّادٌ أنَّ بلاسم محمّد، الذي حاز دكتوراه سنة 2000 حول موضوع "التحليل السيميائي لفن الرسم: المبادئ والتطبيقات"، من بين أبرز الفنّانين العراقيّين وأكثرهم تأثيراً في المشهد التشكيلي العراقي، بالنظر إلى أسلوبه الذي أسهم في تحرير الفنّ التشكيلي في بلاده مِن القوالب الأكاديمية، وكونه "أكثر من دعا إلى التحديث مِن بين فنّاني جيله"، بحسب الناقد التشكيلي شوكت الربيعي.

وعُرف محمد، أيضاً، بنقده اللاذع للتشويه البصري الذي طال المدن العراقية؛ حيثُ انتقد تخريب بعد النصب الفنّية وإقامة أعمالٍ أُخرى اعتبرها "صادمةً للذوق العام".

في صفحته على فيسبوك، كتب علاء المفرجي، مدير التحرير الثقافي في "دار المدى"، والذي سبق أن عمل مع الفنّان الراحل: "بلاسم محمد ابنُ الصحافة قبل أن يكون ابن التشكيل. كانت "مجلّتي" و"المزمار" خطوته الأولى في عالم التصميم الصحفي، تعلَّم فيها بعض أسرار الإخراج الصحفي. ولأنه كان يجيد الخط العربي والذي أضاف إلى التصميم خبرة أُخرى في معرفة شفراته وتكويناته الإخراجية، وتوفّرت له حينها فرصة العمل في الصحافة لوضع خرائط تصميمية لبعض الصحف - جريدة "التآخي" و"العراق" و"الجمهورية" و"التراث الشعبي" ومجلة "ألف باء" - وبدأ النزوع إلى التجديد حين عمل على وضع بعض الحروف الطباعية لأوّل مرّة في الصحافة العراقية... ".

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون