يشير فنسنت فان غوخ في رسالته إلى أخيه ثيو وزوجته عام 1890، إلى أنه رسم ثلاث لوحات كبيرة أخرى من حقول القمح تحت سماء مضطربة، في محاولة للتعبير عن حزنه وشعوره بالوحدة الشديدة، مضيفاً أنه يأمل بالذهاب قريباً إلى باريس للقائهما، مع تأكيده أن لوحاته يمكن أن توضّح حالته الصحية والنفسية أكثر مما يمكن قوله بالكلمات.
رسائل الفنان الهولندي (1853 - 1890) التي تمّ العثور عليها بعد ثلاثة أعوام على رحيله، تُرجمت إلى لغات عديدة ومنها العربية، وتستقطب الباحثين للكشف عن اضطراباته النفسية ونقاشاته وخصوماته مع عدد من مجايليه من الفنانين وصولاً إلى فهم دوافع انتحاره.
"فنسنت فان غوخ: حياة في رسائل" عنوان الكتاب الذي صدر حديثاً للباحثين نينكي باكر وليو يانسن وهانس لويجتن عن "منشورات ثايمس آند هدسون"، ويضيء علاقاته المعقدة مع العائلة وشكوكه الشخصية ومخاوفه وقبل كل شيء شغفه بفنه، وتضع المقدمات التي وضعها محررو الرسائل من "متحف فان جوخ" أحدث النظريات المحيطة بعمل الفنان وتاريخه الشخصي.
كانت لديه قناعة راسخة بأنه على صواب دائماً
يجعل الكتاب الذي يتضمّن رسائله المكتوبة بأحرف مخطوطة أصلية إلى جانب رسومات ولوحات وصور فوتوغرافية قصة فان غوخ وأعماله تنبض بالحياة، وهو ما من شأنه تقديم صورة أكثر وضوحاً عنه بدلاً من اختصارها بأوصاف مثل "العبقري المعذب" أو "الرجل المجنون الذي قطع أذنه".
يوضّح المؤلفون أن شخصية فان غوخ كانت في الحقيقة أكثر تعقيدًا بكثير، فهو ابن قس مبجّل، وكانت لديه قراءاته الموسعة، ويتحدث ثلاث لغات بطلاقة، وبدأ حياته الفنية كتاجر فني، ومن خلال اختيار بعض رسائله يتبيّن أنه كان شخصية يصعب التعايش معها، وكان مظهره يعكس اضطراباته الداخلية.
ويلفت الكتاب إلى تشنج في وجه فان غوخ وأن يديه كانتا في حركة مستمرة، وغالباً ما كان الناس يخافون منه بسبب مظهره الجامح وغير المهذب وطريقته في التحدث، بالإضافة إلى أنه كانت لديه قناعة راسخة بأنه على صواب دائماً، ورغم المعجزات التي صنعها شقيقه الأصغر ثيو بمعجزات لدعمه، إلا أنها لم تحل دون انتحاره.
وشكّل المال الذي لم يستطع غان غوخ توفيره من بيع اللوحات، مصدر قلق دائم لديه، بحسب الكتاب، حيث كتب في عام 1883 من لاهاي: "أوه، ثيو، يمكنني تحقيق المزيد من التقدم إذا كنت أفضل حالًا"، وكان يشير في مراسلاته إلى ضرورة الانتقال إلى مكان آخر يكون فيه الاستوديو أقل تكلفة والطعام مغذياً ورخيصاً.