استمع إلى الملخص
- أبو شاور كان ناشطاً في "منظّمة التحرير الفلسطينية" وأصدر عدة مؤلفات بارزة. تحدث الكاتب معه عن الأدب المغربي والقضية الفلسطينية وذكرياته في دمشق وبيروت وتونس.
- رواية "البكاء على صدر الحبيب" أثرت في الكاتب بشدة، رغم منعها في الأردن. مواقف أبو شاور كانت مثيرة للجدل، لكنه كان مناضلاً يسعى لتحقيق أحلامه.
في صيف عام 2000، تعرّفتُ إلى الروائي والقاصّ الفلسطيني رشاد أبو شاور الذي غادر عالمنا أوّل أمس السبت، وكان قد أتى للمشاركة في ندوة عن الرواية العربية، من تنظيم "مهرجان الرباط" الذي كان يشهد مشاركة مستمرّة من كتّاب وشعراء فلسطينيّين كان من بينهم محمود درويش وسميح القاسم. بعد سنة من ذلك، وُلد لي ابنٌ فسمّيته رشاد. هو الآن في الجامعة وأظنّه يحمل الكثير من صفات أبو شاور، الذي لم أُخبره بالأمر إلّا بعد وقت طويل، ففرح ودعا الله أن يبارك لي فيه.
قبل ذلك الصيف، لم أكن أعرف عن أبو شاور سوى أنه فاعلٌ في مؤسّسات "منظّمة التحرير الفلسطينية"، وأنّه أصدر أُولى مجموعاته القصصية "ذكرى الأيام الماضية" عام 1970، ثمّ توالت مؤلّفاته؛ ومنها روايات "أيام الحرب والموت" (1973)، و"البكاء على صدر الحبيب" (1974) و"العشّاق" (1978).
خلال حديث قصير في أحد مقاهي الرباط حيث جلسنا معاً، رحتُ أنصت إلى صوته الشجيّ ووجهه الذي تُطلّ منه براءة غريبة، وأسلوبه الأنيق في الحديث، وهو يستدرجني إلى الحديث عن الأدب المغربي وأصدقاء القضية الفلسطينية في المغرب، بين صفوف الشبّان والطلّاب على وجه الخصوص. أذكر أنّ حديثه كان يقفز، مثل عصفور يمشي، من حديثه عن دمشق وبيروت وتونس إلى المخيّمات التي كبر فيها وخبر مآسيها في بيت لحم وأريحا.
"البكاء على صدر الحبيب" هي أقرب رواياته إلى قلبي
توقّعتُ أن يسألني عن رواياته أو مقالاته السياسية، أو حتى عن أدب المقاومة الفلسطينية، لكنه لم يفعل. فبادرت إلى القول إنّ رواية "البكاء على صدر الحبيب" هي أقرب رواياته إلى قلبي، وإنّني قرأت بعض مقالاته في جريدة "القدس العربي" حين كان الصحافي الراحل محمود معروف هو المسؤول عن مكتبها في الرباط، لكنه سألني: كيف حصلت على الرواية؟ كان الجواب جاهزاً، لأنّ حصولي على نسخة من الرواية أمر لا يُنسى. كان سؤاله وجيهاً، فالرواية، الواقعة في 94 صفحة، مُنعت في الأردن بسبب موضوعها الحسّاس: أحداث أيلول 1970. لذلك فهي فعلاً بكائية على صدر الحبيب بعد الغدر بالفلسطينيّين في أحراش جرش.
حصلتُ على النسخة من مكتبة سفارة فلسطين في الرباط، بعد أن سألت عنها الأخ الفلسطيني المرحوم واصف منصور. فدلّني عليها، وأعارني إياها من دون تقييدٍ بوقت لإرجاعها. التهمت الرواية وبكيت مع شخصياتها: زياد، وغالي، وهناء، وفجر... ولمّا ازداد لي ابن ثان أسميته غالي، وهو اليوم تبدو عليه علامات غالي في الرواية: المغامرة في ركوب المخاطر في سبيل هدف ظاهر لكنّه صعب التحقيق.
كنت أسمع نشيجاً في صوت رشاد أبو شاور وهو يتحدّث عن أحزان متراكمة عبر سنوات من الجرح الفلسطيني، بلغة تعجز عن وصف الدم الفلسطيني الطاهر في عمّان، في دمشق وبيروت. ليس من السهل تسطير مثل تلك الكلمات، ورسم تلك المصائر، وذلك الحنق وتلك الثورة. ليس من السهل فعل ذلك على الإطلاق. "اللعنة على الكذّابين"، هكذا خاطب أبو شاور القيادات التي كانت تصدر الأوامر عبر اللاسلكي.
لقد كانت رواية مباشرة، مقاومة وثائرة، غاضبة وشجاعة. لم يكن لمؤلّفها فعل شيء آخر أمام سقوط الشهداء وغطرسة المناورين، وصمت المنافقين. وزياد، المسؤول في أحد تنظيمات المقاومة، بعد خروجه من عمّان وتوجّهه إلى دمشق، وجد نفسه غارقاً في العبث والفراغ: "أكتب أحياناً. أقرأ أحياناً. أنام أحياناً. زعلان باستمرار. أنتظر نهاية الشهر وآخذ مخصّصي. أعيش في غرفة كئيبة بمخيّم اليرموك"، هذا هو حال الشباب الذين حلموا ولم يعودوا يطيقون أحلامهم، أمام كذب قياداتهم السياسية ونفاقهم.
كانت مواقف رشاد أبو شاور موطن شكّ ورفض وشجب من قبل الأجيال المتعاقبة من الفلسطينيّين، خصوصاً في ما يتعلّق بموقفه من نظام بشار الأسد. لكن روحاً واكبت النكبات والنكسات، وعاشت في بؤس المخيّمات ووجودها المؤقّت العابر باستمرار، صنعت كاتباً ومناضلاً أراد تحقيق كلّ أحلامه في زمن وجيز.
* شاعر وروائي ومترجم من المغرب