ربما يعتقد من يدخل موقع المؤرخ المصري رؤوف عباس (1939 - 2008) أنه حيال موقع فقير، فذلك ما يوحي به مظهره المتقشّف، غير أن نظرة فاحصة على محتويات الموقع يمكن أن تغيّر هذا الانطباع بشكل كامل، فالمادة المعرفية التي يقدّمها الموقع يمكن اعتبارها من أثرى المواد حول مسيرة باحث في البلاد العربية.
تقدّم المواقع عادة ملامح عامة أقرب إلى شذرات وإحالات إلى مدوّنة الشخصية من كتب ومقالات وغير ذلك، غير أن موقع رؤوف عباس www.raoufabbas.org يقدّم إحصاء دقيقاً لمنجزه المعرفي، حتى أنه يتيح تقريبا كل ما كتبه المؤرّخ المصري ضمن زاوية بعنوان "الإنتاج العلمي" في صيغة إلكترونية (وليس تصوير الكتب ضوئياً) ما يعني أن المشرفين على الموقع أقدموا على رقن وترتيب ما حبّره صاحب كتاب "الحركة العمالية فى مصر".
ولا يكتفي الموقع بمؤلفات عباس بالمعنى الدقيق للكلمة حيث يخصّص مداخل أخرى لكتب من تحريره وأخرى من ترجمته، وأكثر من ذلك يجمع الموقع دروسه ضمن مدخل بعنوان "كتب دراسية" وهي أقرب إلى مؤلفات لكنه وضعها لغايات تعليمية بحتة.
كما يُحصي الموقع ما قدّمه عباس من مؤلفات لغيره، أو تلك التي راجعها، وأعمالا أخرى أشرف عليها. ويمتد جهد الإحصاء هذا إلى "أبحاث بالعربية"، و"مقالات تاريخية بالعربية"، و"مقالات صحفية بالعربية"، و"محاضرات لمرحلة الليسانس"، وصولا إلى مداخل مثل "تأليف بالإنكليزية"، و"تحرير بالإنكليزية"، و"أبحاث ومقالات بالإنكليزية"، كما نكتشف أن لديه ثلاثة أبحاث وضعها باللغة اليابانية.
إلى جانب إحصاء دقيق لمؤلفاته، يقدّم الموقع لائحة بما في مكتبته
يتضمّن الموقع خانةً بعنوان السيرة الذاتية، ونجد فيه سيرة كتبها عباس بنفسه تحت عنوان "مشيناها خطى"، وقد صدرت في كتاب عام 2004، وهو عمل يستمدّ أهمّيته من كونه لا يكتفي بالعناية بمسيرة المؤرخ الشخصية بل يلتقط عناصر أساسية من بيئة البحث التي يتحرّك ضمنها، ويشير بجرأة إلى مظاهر الفساد في هياكل المعرفة ومن أبرزها التزييف في الشهائد العلمية والتغاضي عن السرقات العلمية. يرصد الموقع أيضا تفاعلات مع هذه السيرة وذلك بجمع التعليقات والمقالات حولها كما سيوثق الموقع قريباً الدعاوى التي رُفعت ضد عباس من جرّائها.
في زوايا أخرى، نعثر على مادة متعددة الوسائط موثقة بعناية، وأبرزها لقاءات صحافية وتليفزيونية، مع إعلاميين مثل فاروق شوشة، ودينا فاروق، ومجدي مهنى، وماجد يوسف، تمثّل هي الأخرى مجال حركة للمؤرخ المصري، على خلفية أن المباحث التي اشتغل عليها - مثل التوثيق للحركة القومية والعمالية ومحاولة فهم إخفاقات جيل النهضة - كان لها صدى أوسع من الدوائر البحثية حيث إنها تنطلق من أسئلة كانت لا تزال تشغل المشهد الثقافي خصوصاً في نهاية القرن العشرين، ولعلها لا تزال كذلك.
كما تحضر في الموقع فكرة لافتة بتقديم لائحة بما توفّر في فهرس مكتبة رؤوف عباس وهو ما يظهر اهتماماته كقارئ وليس كباحث فحسب. علماً أن جميع هذه الكتب متاحة لمن يمكنه زيارة مكتبة "الجمعية المصرية للدراسات التاريخية" بما أن المؤرخ المصري كان قد وهب مكتبته لها.