بيانٌ شخصي عن سَجْن الشاعر التونسي سامي الذيبي
النظام في تونس مُستمرٌّ في تهوُّراته، وأتمنى أن يتهوَّر أكثر وأكثر، لكي ينكشف للأكثر وللأبعد، ويُحرج النظام الدولي المُراوغ، والمُنتفع، من هكذا أنظمة. لكن أن يُسجَن شاعر مثل سامي الذيبي، لتدوينة ضدّ وزيرة الثقافة، هُنا طفح الكيل.
كُنّا على طاولة بلاستيكية بيضاء في "مهرجان الشعر" بسيدي بوسعيد، أنا وسامي، وكان سامي نورسَ اللقاءات، ينقُر المهرجان، ويختفي يومَين ثلاثة، ثم يعُود. كنتُ أنظرُ له كشبح، مألوم بشيءٍ ما، غيرِ همومنا الثقافية اللّحظية، أو ضجيجنا بالمهرجان والسهرات؛ المُتنبّي خارج الوادي والكوفة وبغداد وفارس وجلّق؛ عيناه بعيدتان.
البحر المتوسّط هادئٌ، والبيوت البيضاء هادئة في سيدي بوسعيد، رغم وعورة الصعود، والفكرة كانت هادئة، والليل كذلك، لولا أسئلتي عن زمن قديم كان يتحاشاه ولا يستعرض بُطولاته. كانت شنطته السوداء الصغيرة معه في كلّ لقاء، لم يفتحها، ولم يُوزِّع دواوينه وإصداراته، كان أرقَّ من هذي الفِعلة، الآن أظنّها كانت أحلامه البيضاء المَخْفيّة.
سامي الذيبي لا يحمل تحتَ إبطيه إلّا أحلام تونس، تونس الدولة المُحترَمة بالدستور والحُرّية، والنموذج... ونهر "مجْردة".
قبل سنوات بعيدة، كالحُلم، لا أتذكّرها، عبرتُ قنطرة ماء قصيرة للوصول إلى بيت شعبيٍّ تُونِسي، اكتشفتُ أنّ الأمّ العجوز التونسية أُمي، عندما حلفَت عليّ أن آكلَ من "طَبليّة" بيتها لُقمةَ عشاء، والأب كان أبي، وبياض لحيته كان صُورتي عن الأب، الذي أفتقدُه منذ ألف سنة، وبنات الدار الصغيرات الحيِيَّات اللواتي يطلُلْنَ على الضيف الغريب، أخواتي بأثواب البيت.
كان الغائب الوحيد عن ليلتنا تلك: أخي سامي الذيبي.
أظنُّني كنتُ في بيتِه، وكنتُ بضيافة أمّه وأبيه، والبنات الصغيرات كُنَّ أخواته، وكان هو الغائب الوحيد.
أطلِقُوا سراحَه… سامي لا يصلُح للسجن.
* شاعر من الكويت