لطالما قاربت التشكيلية سعاد مردم بك قضايا ومواضيع سياسية واجتماعية راهنة بالاتّكاء على مفاهيم فلسفية أو أبعاد أسطورية للتعبير عن فكرتها بصرياً، سواء في تناولها واقع وطنها سوريّة خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، أو تساؤلاتها حول السُّلطة الذكورية، أو جائحة كورونا، وغيرها.
"وردة المنطقة العازلة" عنوان معرض الفنّانة السورية الذي افتُتح في "غاليري بيكاسو" بالقاهرة، مساء الأربعاء الماضي، ويتواصل حتى العاشر من الشهر المقبل، ويضمّ لوحات تُصوِّر واقع الحرب وتمسُّك الإنسان بالأمل في الحياة بعد الدمار والخراب.
تعكس الأعمال المعروضة العدوان الإسرائيلي على غزة، بحسب تقديم العديد من الفنّانين، من خلال العودة إلى لقب "الوردة" الذي أُطلق على المُمرِّضات منذ الحرب العالمية الأولى، في الإشارة إلى دورهم في علاج الجرحى وإخراج القتلى من "المنطقة العازلة"؛ وهي تلك المنطقة أو البقعة من الأرض التى تشهد أجواء حرب وينسحب الطرفان منها ولا يدخلها أحد، بما يشبه الأرض المحروقة.
وتُشير مردم بك إلى اختيارها الوردة التي تمثّل الحبّ منذ الأزل في مواجهة الحرب، في محاولة لتصوير ذلك "التناقض بين الوردة والحرب" وهو الفكرة التى يجسّدها المعرض، مبيّنة أنها دائماً استخدمت الرموز في أعمالها لأهمّيتها في توضيح أفكارها.
تظهر في إحدى اللوحات طائرة في السماء فوق أرض خالية إلا من الأسلاك الشائكة، وكأنها تغادر المشهد بعد أن انتهت مهمّتها في القتل والتدمير. وفي لوحة ثانية، يقف غرابٌ فوق سياج عازل ويحمل بمنقاره وردةً حمراء.
يُهمين اللونان الأسود والأبيض على معظم لوحات المعرض، كما تُستخدم في بعض اللوحات، ألوان تعكس مناخات الحرب نفسها مثل الرمادي والبنّي الغامق، وغالباً ما تحضر الطيور التي تدلّ في الميثولوجيا القديمة على خوف الإنسان من الموت، وكذلك في شنّه الحرب على أعدائه، ورغبته الدائمة في الخلود، مع تصنيف عدد من الطيور كإشارة للتفاؤل والحبّ كالحمامة، وأُخرى للتشاؤم مثل الغراب.
ورغم نزوع الفنّانة إلى التشخيص في معظم الأعمال حيث تظهر نساء عادةً في هيئات مختلفة ويحتضنّ غالباً الحمام، إلا أن عدداً من اللوحات أتت تجريدية في أسلوبها من أجل رسم ساحات الحروب بعد أن تفرغ من المقاتلين الذين ينسحبون منها أو يموتون، كما تُرسم الوردة الحمراء بشكل نافر في جميع الأعمال بشكل متقصّد.