في عام 1972، أقام صبري منصور معرضه الأول الذي ضمّ لوحات تعود في معظمها إلى سنوات الدراسة، حيث تشارك فيها مع فنانين وظفّوا الموتيفات الشعبية والأساطير في أعمالهم، ضمن محاولة لتأسيس هوية تشكيلية مصرية خاصة.
ظهرَ الطائر بتعبيراته المختلفة في ذلك المعرض؛ محلّقاً ومهميناً على الأجواء وساقطاً إلى الأرض، بموازاة اهتمام الفنان بتعبيرات البشر وأشكالهم في تحريفات بدت شغله الشاغل آنذاك، فرسم شخصيات كفوفها غليظة وقوية لكنها مشلولة وأقدامها مشوهة وعاجزة.
يستعيد "غاليري بيكاسو" في القاهرة تجربة الفنان التشكيلي المصري (1943) في معرض بعنوان "مختارات 1966- 2022" يُفتتح عند السادسة من مساء الأربعاء، الحادي والعشرين من الشهر الجاري، ويتواصل حتى الحادي عشر من كانون الثاني/ يناير المقبل.
يتضمّن المعرض لوحات قدّمها منصور منذ منتصف الستينيات حتى منتصف العقد اللاحق، وتتمحور في معظمها حول مشاهد مستوحاة من قريته نجاتي، في دلتا مصر، حيث البيوت الريفية البسيطة وأشجار النخيل والنوافذ المفتوحة ونهر النيل، غير أن طقوس الزار تحديداً هي التي استهوته حينها فاختارها موضوعاً رئيسياً لمشروع تخرّجه من كلية الفنون الجميلة في "جامعة حلوان".
في لوحة "الزار" (1964)، يركّز الفنان على الجانب الروحاني من الطقس الشعبي عبر رسم امرأتين جالستين في حالة من السكون، وكأنهما متواصلتان أو قادمتان من العالم الماورائي، بما يعكس حالة من الصمت والغموض المثيرين للتأمل والتساؤل عما تحتويه هذه العناصر من معانٍ وأسرار.
بعد أن نال منصور درجة الأستاذية من "أكاديمية سان فرناندو" في مدريد عام 1978، بدأ ممارسته للحفر عبر استخدام ألواح الزنك في أعمال قاربت سؤال الهوية وتراكماته في المدونة البصرية المصرية خلال مئة عام مضت، وفيها واصل تحريفه للشكل الإنساني، كما رسم شخصيات عديدة من الخلف مع اهتمام ملحوظ بكثافة شعورها وانزياح إلى السوريالية أحياناً.
واصل صبري تقديم مناخات غرائبية في لوحاته لاحقاً حيث التحم الطائر مع رأس الإنسان وطارت أيضاً الصفور منقلبة رأساً على عقب، وتماهى الرجل مع المرأة أيضاً، في إبراز لأجواء ملحمية مأسوية ذات خصوصية مصرية، لينتقل في بداية التسعينيات إلى رسم المقبرة بعناصرها من نعوش وأضرحة، والتي تدلّ على صورة الموت في مشهد الحياة، كما نفّذ العديد من الرسوم التي تحتوي رسومات عارية وسط مناظر طبيعية تفيض شهوانيةً.