"صهاينة ألمانيا".. جمباز ذهني يقفز على الحقائق

13 اغسطس 2024
من مظاهرة ضدّ الإبادة الصهيونية في غزة بمدينة لايبزيغ، 5 آب/ أغسطس 2024
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **حادثة الاعتداء على النشطاء في لايبزيغ**: تعرض أعضاء من "المعارضة اليهودية الإسرائيلية" للاعتداء أثناء حضورهم أمسية حول فلسطين، حيث طُردت إحدى المنتسبات بعنف وتعرضت للضرب.

- **موقف "المعارضة اليهودية الإسرائيلية"**: تعارض المجموعة سياسات إسرائيل وتنتقد استخدام مكافحة معاداة السامية لإسكات الأصوات الناقدة، وتستنكر الفعاليات التعليمية التي تروج للدعاية الحربية والعنصرية.

- **انتقادات للمحاضرة والمغالطات**: انتقدت المجموعة محاضرة كوردولا ترونك لتجاهلها الضحايا الفلسطينيين ووصفها كل ما هو ضد إسرائيل بأنه معادٍ للسامية، مما يعزز مناخاً ضبابياً في النقاش السياسي.

قالت مجموعة "المعارَضة اليهودية الإسرائيلية" في مدينة لايبزيغ الألمانية إنّ أعضاء منها ومجموعة من النشطاء الآخرين تعرضوا للاعتداء أثناء حضورهم أمسية بعنوان "هل فلسطين مشكلة نسوية؟" نظّمتها مجموعة تُدعى "بانك ضدّ معاداة السامية" ومجموعة طلّابية تأسّست حديثاً باسم "التعليم النقدي"، حيث ألقت متحدّثة وباحثة نسوية تُدعى كوردولا ترونك محاضرة بنفس العنوان.

تضمّ مجموعة "المعارضة اليهودية الإسرائيلية" يهوداً وإسرائيليّين مقيمين في لايبزيغ شرقي ألمانيا، يرون أنّ "جذور الاضطهاد والظلم العنصري للفلسطينيّين من قبَل إسرائيل تعود إلى تاريخ تأسيس هذه الدولة، ويجب معارضة هذا التاريخ وانتقاده بشكل صريح"، ويشددون على معارضة "استغلال مكافحة معاداة السامية لإسكات الأصوات الناقدة للسياسات الإسرائيلية وأصوات المراجعة النقدية للتاريخ الإسرائيلي".

وجاء في بيان للمجموعة حول حادثة الاعتداء على بعض منتسبيها ونشطاء آخرين أنّهم حضروا ليستمعوا إلى محاضرة كوردولا ترونك ليُفاجؤوا بأنّها تُعيد على الحضور كلمة كانت قد أدلت بها قبل أشهر، مليئة - حسب البيان - بالبروباغندا الإسرائيلية، و"دون أيّ تحديث يُناسب مجريات الوضع الحالي، والنتائج الجديدة للبحوث الاستقصائية التي أُجريت وتُجرى لمعرفة ما وقع يوم السابع من أكتوبر، ومن ذلك على سبيل المثال ترديد كذبة وجود فيديو مصوّر لعمليات اغتصاب ممنهجة يُفترض أنّ مقاتلي "حماس" قاموا بها، إلى جانب ترديد أن هؤلاء قد قتلوا في ذلك اليوم ألفاً ومئتي إنسان، متجاهلة ما تبيّن بعد ذلك من تورّط لجيش الاحتلال في قتل عدد كبير من مدنيّيه".

كأنّ السابع من أكتوبر حدثَ دون شيء قبله ولا حتى بعده

وحين حاولت إحدى المنتسبات إلى المجموعة مواجهة المتحدّثة بهذه المغالطات، تعرّض لها بعض القائمين على القاعة التي أُقيمت فيها الأمسية، وذلك بشدّها من ذراعيها هي وثلاثة آخرين، ودفعهم بعنف خارج القاعة. وأكَّد البيان أنّهم تعرّضوا في الخارج للضرب والدفع، وأنّ أحدهم جرى إلقاؤه على الأرض وخنقه من الخلف على طريقة قوّات محاربة الشغب.

والسبب الذي دفع النشطاء إلى مقاطعة المتحدّثة هو وصفها أنّ كلّ ما هو "ضدّ إسرائيل" هو بالضرورة معاداة للسامية، الأمر الذي يراه النشطاء "خطأً كبيراً واتِّهاماً خطيراً"، هذا بالإضافة إلى أنّها استهلَّت كلمتها، كالعادة، بالحديث عن السابع من أكتوبر، دون أي مقدّمات، ليُطالبها النشطاء بالحديث أوّلاً عن "السادس من أكتوبر"؛ فبحسب البيان "إذا أراد أحد التحدث عن واقع وحصيلة ذلك اليوم (السابع من أكتوبر) فعليه أن يُقرّ بالواقع الذي كان سائداً في البلاد قبله".

واستنكر البيان تمرير مثل هذه الفعاليات على أنها فعاليات تعليمية بينما "يتمّ فيها استخدام خطاب معاداة السامية سلاحا للدعاية الحربية والعنصرية ضدّ الفلسطينيّين والعرب والمسلمين، ويتمّ فيها شطب الحركة النسوية الفلسطينية من خريطة النضالات العالمية"، بالإضافة إلى العنف المنظَّم الذي تُمارسه هذه الجماعات، بدل إتاحة الفرصة للنقاش وتداول الآراء.

تُقدِّم كوردولا ترونك نفسها متحدّثة في موضوعات مثل النقد الاجتماعي، والماركسية، والنسوية الكويرية، والنظرية النقدية، وتحليلات السلطة، وتُعِدّ حالياً رسالة دكتوراه في الدراسات الثقافية في "جامعة إنسبروك" بالنمسا، وقد ادّعت في كلمتها التي ألقتها للمرّة الثانية على الأقل منذ السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023، دون تحديثات تُواكب فيها مجريات الحرب الإجرامية على غزّة، وجود "تضامن انتقائي" مع الضحايا، خصوصاً في الأوساط النسوية واليسارية، التي حسب رأيها تتجاهل العنف الذي تعرّضت له النساء الإسرائيليات، وأنّه حتى "هيئة الأمم المتّحدة للمرأة" UN-Women احتاجت أكثر من شهرين لتخرج ببيان يبحث في إمكانية وقوع عنف جنسي ضدّ النساء في السابع من أكتوبر.

هنا، تتساءل مجموعة "المعارضة اليهودية الإسرائيلية" عن أيّ "تضامن انتقائي" تتحدث عنه برونك "مع تجاهلها الأربعين ألفاً (وأكثر) الذين قُتلوا في غزة - بينهم 9000 امرأة وأكثر تحت الأنقاض، وتجاهُل حالات الإجهاض التي لا حصر لها من جراء نقص الغذاء والماء والدواء بسبب الحصار الإسرائيلي على غزّة، وتجاهل معاناة النساء مع الدورة الشهرية بسبب نقص منتجات النظافة الصحّية الخاصّة - ألا يُفترض أن تكون هذه قضايا نسوية؟".

فبدل الحديث عن كلّ هذه القضايا شديدة الحساسية والخطورة، تُفضّل برونك ومجموعتها "التثقيفية" الحديث عمّا تُسمّيه "انقسام المشهد اليساري حول القضايا المتعلّقة بمعاداة السامية والبوست- كولونيالية وإسرائيل"، وتُشنِّع على كثير من النشطاء توصيفهم "حماس" بالحركة التحرّرية ضدّ الاستعمار بينما هي - كما تراها برونك – "شديدة العدائية تُجاه المثليّين، ومناهِضة للمرأة ومعادية للسامية".

ترديد لمغالطة كلّ هو ضدّ "إسرائيل" هو بالضرورة معادٍ للسامية

وتطرّقت برونك، في كلمتها، إلى دور السوشال ميديا بما هي منصّة لاستعراض العنف ضد النساء "الذي يستخدمه بعض مجرمي الحرب كغنيمة"، وهي هنا لا تتحدّث عن مئات الفيديوهات التي ينشرها جنود الاحتلال لأنفسهم! ثم تساءلت، بناءً على هذا، عمّا تلاحظه في الأوساط اليسارية في ألمانيا من "تحالفات بين النسويات والإسلاميّين"، تُرجعها إلى كون "أجزاء كبيرة من التيار النسوي السائد تتمسّك بنزعة ما بعد استعمارية مبتذلة"، لتحاول تفكيك هذه التوجّهات في ثلاثة مستويات: الفردي، والنظري، والحركي-السياسي.

هذه الادعاءات والمغالطات الكبيرة هي ما دفع النشطاء لعدم تحمّل الاستماع إلى هذا التنظير التثاقفي الفارغ والمفرغ من أيّ مضمون حقيقي أو متّصل بالواقع، الأمر الذي دأبت عليه الأكاديميات والمؤسّسات الثقافية الألمانية لمدة عشرة أشهر، من دون أن تتحرّك خطوة واحدة إلى الأمام بعيداً عن إلصاق تهمة "معاداة السامية" بكلّ من ينتقد "إسرائيل"، أو التشنيع على من يؤيّد تحصيل الفلسطينيّين لحقوقهم بأنّهم موالون لجماعات يرونها دائماً مناهضةً للمرأة أو لا تدعم حقوق المثليّين أو أنها ترفع شعارات دينية. تصدر هذه المغالطات التي لا يتمّ حتى تحديثها أو مقاربتها لما يحصل حقّاً على أرض الواقع عن شخصيات ثقافية وأكاديمية، تتحدّث كأنّ السابع من أكتوبر حدث دون شيء قبله ولا حتى بعده.

لا يتطرّق هؤلاء حتى إلى طبيعة "الردّ" الإسرائيلي، وينقلون النقاش السياسي والفكري إلى منطقة ضبابية، كلّ المعاني فيها مجرَّدة، كأنّها لعبة تعريفات وتصنيفات واشتقاقات منطقية، لا يمكن توصيفها إلّا بالتعبير الألماني "جُمباز ذهني"، والذي يُطلقه كثير من النشطاء على ما تقوم به النخبة السياسية والثقافية والإعلامية عند بحث ما يجري في فلسطين من إبادة.

وفي ختام بيانها لفتت مجموعة "المعارضة اليهودية الإسرائيلية" إلى ملصق الدعاية الخاصّ بالأمسية التي جرى الاعتداء عليهم فيها؛ إذ جاء على شكل قبضة يد تضرب أخطبوطاً كُتب فوقها "بانك ضدّ معاداة السامية"، وفي هذه إشارة إلى صورة نشرتها الناشطة البيئية غريتا ثونبرغ تبدي فيه تضامنها مع الشعب الفلسطيني، بينما تَظهر في الخلفية دمية أخطبوط، اتُّهمت ثونبرغ بسببها بمعاداة السامية بزعم أنّ الأخطبوط قد كان يُستعمل في الماضي في كاريكاتيرات معادية لليهود، لتقوم بعدها بحذف الصورة ونشر أُخرى دون الدمية، مع تأكيدها أنّها لا علم لها على الإطلاق بمثل هذه الرمزية. يُعلّق بيان المجموعة على اختيار المنظّمين رسم الأخطبوط بهذا الشكل بأنه "إسقاط خيالي يُخفي فقط حقيقة أنّ معاداة السامية، والعنصرية، والتعصب الأعمى، وكراهية النساء، ورهاب المثلية الجنسية تأتي في الحقيقة من أشخاص يشبهون تماماً مجموعة الرجال الألمان البيض الذين تعرّضنا للهجوم من قبلهم".

موقف
التحديثات الحية
المساهمون