استمع إلى الملخص
- تعتبر الكتابة الجديدة فضاءً للتحرر من التقاليد الأدبية، حيث تتفكك الحبكة وتتحرر الشخصيات، مما يعكس الشك والقلق الوجودي، وتستكشف مواضيع مسكوت عنها بجمالية غير مألوفة.
- تسعى الكاتبة لتكون جزءًا من جيل أدبي يتحدى السلطة التقليدية، موحدة التجارب الإنسانية عبر الأدب، وتصف تحدياتها في البيئة الثقافية بتونس وكندا بسبب الاغتراب والهيمنة الذكورية.
تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب.
■ ما الهاجس الذي يشغلكِ هذه الأيام في ظلّ ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟
- هناك مفاهيم ومسلّمات عديدة أراجعها هذه الأيّام حول معنى أن تكون إنسانًا في هذا العصر، إنجازات البشريّة حتّى اليوم، وتقدّم الحضارة. في ظلّ الحروب اللامتناهية، وتفاقم التغيّر المناخيّ، وتفوّق الذكاء الاصطناعي؛ أتساءل كثيرًا عن ازدواجيّة المعايير والقيم المقنّعة، والقدرة الخارقة للبشر على التدمير. يَشغلني العدوان الذي يُسلّط على ملايين البشر في فلسطين ولبنان دون أن نُحرّك ساكنًا، وأدرك في قرارة نفسي أنّنا جميعًا سندفع فاتورة الصمت عاجلًا أم آجلًا.
■ كيف تفهمين الكتابة الجديدة؟
- تيّار الكتابة الجديدة زعزع أسس البناء الروائي وتقاليده في الحبكة الدراميّة التي تفكّكت وفقدت مسارها الخطيّ، والزمن المُهشَّم الذي تخلّص من تعاقبيّـته الكرونولوجيّة، والشخصيات التي لم تعد مركزيّة وثابتة بل مشيّأة ومشتّتة بتناقضاتها، في انعكاس لعصر يتّسم بالشك والقلق الوجودي. أرى الكتابة الجديدة فضاء أكثر رحابة يسمح بالتحرّر نحو مواضيع مسكوت عنها، وتقنيات وشطحات تخييل وجماليّات غريبة غير معهودة، وسط واقع أشدّ غرابة منها. وفي مواجهة طغيان قبح الواقع المعاصر، تسمح الكتابة الجديدة، في بحثها عن الجمال، بالتوغّل في متاهات إبداعيّة مجهولة.
■ هل تشعرين نفسك جزءاً من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟
- أطمح لأن أكون جزءًا من جيلٍ أدبيٍّ جديد لا يرضخ لسلطة التقليد المتعسّفة ولا لقبضة الربح التجاري؛ جيلٌ شجاع يجازف بمغامرات أدبيّة ليفضح الواقع، ويتحرّر من القوالب الفنيّة والمفاهيمية المُحكمة، ويصل بين التجارب الإنسانيّة رغم الفجوات التي تفصل بيننا. في زمن العولمة والثورة التكنولوجية، والزواج المختلط، والتحديّات الكونيّة المشتركة (التغيّر المناخيّ)، أرجو أن يلعب أدب الجيل الجديد دورًا في محو الفروقات الثقافيّة والاقتصاديّة، بقصص مختلفة، توحّدنا بهمومنا وأحلامنا المشتركة، وتأنسنا ثانية.
جيل جديد لا يرضخ لسلطة التقليد ولا لقبضة الربح التجاري
■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟
- أُحاول أن أتعلّم من الأجيال السابقة دون أن أتخلّى عن تفكيري النقديّ، أن أفهمها كي أعي أخطاءها وإنجازاتها. وهذه هي، أيضًا، علاقتي بالجيل اللاحق الذي يصغرني سِنّا ويفوقني معرفةً في بعض المجالات. في كلّ علاقاتي، يدفعني فضول ملحّ للتأمّل والتفكّر والتعلّم. أستمع وأستمتع بخبرات الآخرين وقصصهم، أتمرّد مرّات، ومرّات أنصت دون حكم مطلق. مثل تلك الأجيال وهذه، أصيب حينا وأخطئ أحيانا.
■ كيف تصفين علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟
- في تونس كما في كندا، يثقل عليّ الاغتراب الذي يعاني منه المبدعون. وفي حالتي، لكوني امرأة بَدأتْ الكتابة ونُشرت أعمالها في سنّ صغيرة، أحسّ باغترابٍ أكبر. في البلدان العربيّة، يطغى الرجال ممّن يكبرونني سنّا بعقود على البيئة الثقافيّة، فأجد نفسي ضمن أقليّة من الكاتبات الأصغر سنّا. أمّا في كندا، فيُهيمن الكُتّاب بلغات أخرى، ممّن ولدوا ونشأوا في كندا، على الساحة الثقافيّة؛ فأجدني مرّة أخرى ضمن أقليّة لا تزال تبحث عن - وتجاهد لِـ - خلق مساحة لصوتها. في البيئتين، يشبه الأمر نملة تقتحم اجتماعا للفِيَلة.
■ كيف صدر كتابك الأول وكم كان عمرك؟
- كتابي الأوّل صدر وأنا في سنّ العاشرة، بعد أن نُشرت أعمالي في الصُّحف والمجلّات العربيّة. وقد كان والدي، قبل أن يباغته الموت في طفولتي، يشجعّني بإرسال كتاباتي إلى رؤساء التحرير. هذا الكتاب الأوّل هو قصّة للأطفال بعنوان "حلم في حديقة الحيوانات"، تبِعَه ثلاثة عشر كتابا آخر للأطفال. أمّا روايتي الأولى، وهي للكبار، فقد صدرت قبل ثلاث سنوات وأنا في عمر الثالثة والثلاثين، بعنوان "أشياء".
■ أين تنشرين؟
- تعاملت مع العديد من دور النشر في تونس لنشر مجموعاتي القصصيّة للأطفال. ونَشرت روايتي الأولى دار "تشكيل" السعوديّة مع طبعة تونسيّة عن دار "محمد علي الحامي". أمّا روايتي الأخيرة "عشاء لثمانية أشخاص"، فَنَشرتها دار "منشورات المتوسط" من إيطاليا، مع طبعة تونسية عن دار "الكتاب".
■ كيف تقرئين وكيف تصفين علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟
- في صغري كنت قارئة نهمة وفوضويّة، أقرأ كلّ ما يقع بين يديّ دون مفاضلة أو اختيار، وبسرعة قياسيّة، خاصّة الأدب العالمي (المترجم إلى العربيّة). أمّا في السنوات الأخيرة، فقد صرتُ أقرأ بشكل متمهّل ومنهجي ومخطّط حسب أهدافي -المتغيّرة- في القراءة. بشكلٍ عامّ، أحبّ أن أقرأ أكثر من عملٍ واحدٍ لمعظم الكتّاب الذين أقرأ لهم حتّى تتشكّل في ذهني فكرة أشمل عنهم. في بعض الأحيان، أعيد قراءة أعمال كتّابي المُفضّلين، أو أختار بلدًا محّددًا لأتعرّف إلى أدبه، أو توجّهني خططي في الكتابة إلى كتب بعينها. في كلّ الحالات، لا تفارقني مذكّرتي لتدوين ملاحظاتي أثناء القراءة.
■ هل تقرئين بلغة أُخرى إلى جانب العربية؟
- أقرأ الأدب بشكل حصريّ تقريبًا باللغة العربيّة، وأقرأ أغلب البحوث والدراسات بالإنكليزيّة. مؤخّرا بدأت بقراءة الروايات المكتوبة بالإنكليزيّة، والتي قرأتُ سابقًا ترجمتها العربية، بلغتها الأمّ، وأرجو أن أقوم بالمثل عند قراءة كتب من الأدب الفرنسي والإسباني.
■ كيف تنظرين إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تكوني كاتبة مترجَمة؟
- الترجمة عصا سحريّة تنقلك بأعجوبةٍ إلى ثقافات وعوالم أخرى. ولكنّها تبقى، في النهاية، ككلّ أعمال السحر، خدعة، حيلة مجانبة للحقيقة، قشرة تفصلك عن اللبّ. لذلك أحاول الآن أن أقرأ الكُتب، قدر استطاعتي، بلغات أخرى أتقنها (الفرنسيّة والانكليزيّة والاسبانيّة). للترجمة أهلها المتمرّسون بأدواتها، ومهاراتها، وحِيَلِها، أولئك سحرة الترجمة الماهرون. كلّ أملي أن أتقن خدعة الأدب فحسب، أن أصبح كاتبة ساحرة.
■ ماذا تكتبين الآن وما هو إصدارك القادم؟
- صدرت مؤخّرا روايتي الجديدة "عشاء لثمانية أشخاص"، وهي كوميديا سوداء تسخر من السلطة وتفضح الفساد المستشري في المجتمعات العربيّة. وأكتب الآن عملًا جديدًا، لم يحن بعد أوان كشفه.
بطاقة
كاتبة تونسيّة عراقيّة من مواليد تونس العاصمة 1988. حاصلة على الدكتوراه من جامعة كامبريدج في تحليل الخطاب النقدي. صدرت لها روايتان: "أشياء" (2022)، "عشاء لثمانية أشخاص" (2024)، إلى جانب أربعة عشر عملاً قصصياً للأطفال.