لا يقتصر حضور القضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني، في القصيدة الإيرانية الحديثة، بنطاق أدب المقاومة الذي شهد ذروته في العقد الأخير من القرن الماضي. إن نضال الفلسطينيّين ودفاعهم عن أرضهم وهويتهم من جهة، وجرائم الاستعمار الصهيوني، بدءاً من عمليات الاستيلاء على الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وأعمال القتل والتهجير، وصولاً استخدام أسلحة محرّمة دولياً بحق المدنيين (الفوسفور الأبيض وغيره الآن المستعمل في حرب الإبادة على غزة الآن)، كلّ هذه التفاصيل خلقت حضوراً آخر لفلسطين في القصيدة الإيرانية الحديثة، ترتكز تمثّلاته في البُعد الإنساني والقيم الإنسانية المشتركة، والموقف الأخلاقي، كما تكشفه قصائد هذا الملف.
وليس دون دلالة أن تعتمد أغلبية قصائد التضامن مع الشعب الفلسطيني أشكالاً شعرية غير تقليدية، فإن كانت القصيدة العمودية هي الشكل السائد في قصائد أدب المقاومة ذي البُعد العقائدي، فإن قصيدة النثر والقصيدة النيمائية (نسبة إلى رائد الشعر الإيراني الحديث نيما يوشيج) هما الشكلان الشعريّان الطاغيان على أغلب القصائد التضامنية الحديثة. وقد تمحورت حول حياة الإنسان الفلسطيني في خطاب شعري يرتكز على منظور إنساني للأحداث، يُضيء تفاصيل مؤلمة ومضيئة من حياة الشعب الفلسطيني. قصائد لا تُراهن على التأثير على الرأي العام الدولي وما يسمى "المجتمع الدولي"، ذلك دور لا تحمله على عاتقها القصيدة، إنما لأجل أن تكون وثيقة خالدة أُخرى على انحياز الشعر التامّ لأكثر قضايا الكوكب عدالة. في هذا الملف قصائد لا تهتف نصرة للفلسطينيّين، بقدر ما تدعو للاستماع إلى صوت شعب محاصر، صوت شعب الأعماق.
■ ■ ■
محكمة
علي رضا قزوة
يُحضرون شجرة التفّاح
مُقيّدة، لأنها رمت تفّاحاتها مثلما ترمى الحجارة.
يُحضرون شجرة البرتقال
لأن ثمارها دامية هذا العام.
يُحضرون شجرة الزيتون لأنها أثمرت وسط إطلاق الرصاص
المحكمة رسمية
المتّهم موجة لم تنصَع لأمر الوقوف
حمامة
لم تغادر قبّة الصخرة
المتّهم عصفور
لا يُجيد العبرية
المحكمة رسمية
المتّهمة سدرة المنتهى
وطريق تفضي إلى ليلة الإسراء
وشواهد قبور خُطّت عليها البسملة
المتّهم:
أمّهات في بطونهن أجنّةٌ
يحملون في قبضاتهم
حجارة.
(شاعر من مواليد مدينة گرمسار جنوب شرق طهران، عام 1963. حاز درجة الماجستير في الأدب الفارسي والدکتوراه في الأدب الطاجيکي. إضافة الى کتابه النثري "رحلة الحج"، صدرت له عدة مجموعات شعرية منها: "من غابة النخيل إلى الشارع"، و"شبلي والنار"، و"أكثر من يوسف"، و"الحبّ عليه السلام")
■ ■ ■
صوت شعب الأعماق
تيمور ترنج
(من أجل أن نطير
نحتاج جناحاً منسوجاً من لفائف الشمس).
صوتُ مَن هذا الوافد من أعماق الأرض؟
مثل رذاذ القصيدة من الينابيع
ويسمق حدّ السماء
إنه صوتُ شعب يقطن في أروقة الظلام
دون أن يفتح الفانوس أحداقه، هُنيهة لإضاءة أوقاتهم المعتمة
لكنّ الأمل يشعّ في قلوبهم كنجمة وضّاءة.
إنه صوت أناس يرتدون تحت ركام البرد
ملابس الربيع، مُطرّزة بأزهار جراحهم المتفتّحة.
أُناس يعيشون في طريق مسدود
لكن شرايينهم النابضة
تجتاز كلّ خرائط العالم.
صوت مثل سوط البرق الهائج
يشطر الصمت والليل.
إنه صوت أناس يهتزّون إن اهتزّ النسيم
يبكون حين تحزن السماء
يتبرعمون مع حلول الربيع
والحبّ
أغنية وحيدة لا تُفارق شفاههم.
إنه صوت شعب الأعماق.
(شاعر من مواليد مدينة شهر كرد، وسط إيران، عام 1955. أقام في مدينة بوشهر، حيث أصدر أربع مجموعات شعرية هي: "صوت شعب الأعماق"، و"كم يُشبه بكاؤك قصائدي"، و"لا تفكّر قطّ بغياب الفراشات"، إلى جانب مختارات شعرية. رحل في حزيران/ يونيو 2004 إثر مرض عضال في طهران)
■ ■ ■
صفحة في جريدة
صديقة مرادزاده
لا فرق بينك وبيني
أنا أيضاً أعرفُ ما هي الطائرة لكن ليس كما تعرفها أنت
أنت تحلّق فينهدم بيت
أنت تبرز في الصفحة الأُولى من الجريدة
تمضي على صفقة بالغة الأهمية
أنا أجلس في طابور الجياع المشرّدين.
(شاعر من مواليد طهران. صدرت لها مجموعتان شعريتان، هما: "على شاكلة الريح"، و"رجل من قماشة الأنبياء")
■ ■ ■
هدية تذكارية
طاهرة ده پاييني
سأرسل لك حجارة
أُخفيها تحت وشاحي كي لا تكتشفها الريح
حين تعود نهاراً من المدرسة
اقرأ دروسك بصوتٍ عال
دع العالم يعرف أنك لست عطشاناً
والحرب لن تقضي عليك
تتفتّح أزهار النرجس في الشتاء
وأنت أجمل نرجسة حَظِي بها العالم
أقطف لك الأحجار من حديقتي
أُخفيها في الوشاح
وأرسلها بالبريد
قبضتك أكبر من أن
تملأها حجارة الأرض
إنما هذه الحجارة
هدية تذكارية وحسب
لتعرف أنّ الفتيات،
يُحبِبنك،
أينما تواجدن على هذا الكوكب.
(شاعرة من مواليد طهران، عام 1976. حاصلة على بكالوريوس في اللغة الفارسية وآدابها، صدر لها ديوان شعري بعنوان: "البحث عن البسطال")
■ ■ ■
من النافذة
مريم رحماندوست
غزّة الجريحة تكتب صفحات التاريخ، ما زال بمقدورنا رؤية فلسطين من النافذة.
(شاعرة وباحثة، لها إسهامات عديدة في أدب الطفل)
■ ■ ■
أمنية
فرامز عرب عامري
ليت الحبّ يولد مجدّداً
كي نرى فخر غزّة شامخاً مجدّداً
لأهلها ألف أغنية حبّ
إن نطقت أحجارها مجدّداً.
(شاعر من مواليد طهران، عام 1975. نشر العديد من قصائده في الصحف والمجلات الأدبية، وصدرت له مجموعة شعرية بعنوان "عاصمة الشعر")
■ ■ ■
فتيات الحرب
سميرا نوروزي
ما الفرق
أن تكوني فتاة خليجية تراقص ظفيرتك سعف النخيل
أو تكوني فتاة أفغانية
تلامس سنابل المزارع ذيل فستانك
أو أن تكوني امرأة فلسطينية
يتكاثر الزيتون
في سلّة عينيك
ألف مرة.
ما الفرق
أن تشيب ضفائرك في العراق
أو أن ينزع الجنود الأميركان
الثياب عنك في المزارع
أو أن تُستنسخ عينك
في الحروب الإسرائيلية
فأنت تلخّصين العالم في قريتك
سيّان تكون هناك حياة أُخرى
أو أن تفوح ثيابك برائحة جنود روس
أنت لا تعرفين
صرخة مخاض
النساء الأسيرات
حين يتعيّن عليهنّ أن يحببن طفلاً
هو ذكرى عدوٍّ غاصب؟
(شاعرة من مواليد طهران، عام 1985. لها عدّة إصدارات في مجال الترجمة، "شهريور مرد" هو عنوان مجموعتها الشعرية)
■ ■ ■
أطفال فلسطين
فاطمة راكعي
بمشاعر الأمومة
أغسلُ جروحکم
دموعي تنتهي
ولا نهاية لجراحكم!
أتسلّق
تلّة
صنعتها من الحجارة
ما أقرب الصباح.
(ولدت عام 1954 في مدينة زنجان. حصلت على شهادة الدکتوراه في علم اللغات، وهي رئيسة "مرکز أبحاث الأدب والفن" في "جامعة الزهراء". من أعمالها الشعرية: "قرصة للحياة"، "امرّأة مرت من هنا"، "الرؤيا الملوّنة"، "صوت الحجارة"، "اليعاسيب")
■ ■ ■
قصيدتان
فاطمة عبد اللهي
من فصول الألم
هذا الدم قد انساب إلى فضائك
وفوهة البندقية، هذه، مُصوَّبة نحوك
لا شكّ
في أن الحرب قد صافحتك
ارتشفت الشاي معك
وتحدّثت إليك
وشاركتك نومك ويقظتك
كما شاركت جارك
وجار جارك
إن في فلسطين أو لبنان.
للحرب ألف لعبة
تملأ أحضان النساء بالأطفال
وأحضان الرجال بالبنادق.
*
إنه الليل
وحشدٌ من المصابيح المُطفأة
يتماوج متلهّفاً للهدنة تماماً مثل قلبي
ثمّة جندي عاد من المعركة
أتعرفون ما معنى أن يُغامر الإنسان برأسه؟
(تعدُّ من الأصوات الشابة في الشعر الإيراني، نشرت قصائدها في عددٍ من الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية. لها ديوان شعر بعنوان: عزلة أم اشتياق؟)
■ ■ ■
صلاة
حسنية صادقي
يمِّم وجهك شطر غزة
واتبع طريق الشمس نحو أزهار مُخضَّبة بالدم.
* ترجمة عن الفارسية: محمد الأمين