أرسل الخليفة عبد المؤمن بن علي، الذي حكَم دولة الموحِّدين في المغرب، جيشه لأول مرة إلى الأندلس عام 541 هـ/ 1146 م، بعد أن ضعف فيها حكم المرابطين، واستطاع أن يحصّن دفاعات المدن في مواجهة الحكّام الإسبان بشمال البلاد، وحقّق العديد من الانتصارات عليهم.
استمرّت سلطة الموحِّدين بعد رحيل بن علي، إذ أعادوا تنظيم أحوال الأندلسيين من خلال إصلاح أحكام القضاء التي طاولها جور كبير في فترة سابقة، كما ساهموا في بناء مدينة بجبل طارق ونقلوا العاصمة من إشبيلية إلى قرطبة، التي أصبحت مركز جيوشهم وإدارة حكمهم.
في كتابها "صورة البطل في الشعر الأندلسي في عصر الموحِّدين 540 - 667 هـ" الذي صدر حديثاً عن "الآن ناشرون وموزعون" بدعم من وزارة الثقافة، تضيء الباحثة الأردنية أفنان زلوم الأبعاد البطولية والرمزية في قصائد تلك المرحلة، خاصة بعد موقعة الأرك سنة 591 هـ التي انتصر فيها السلطان أبو يوسف يعقوب المنصور على ملك قشتالة ألفونسو الثامن.
ويشير أستاذ الأدب الأندلسي صلاح جرّار في تقديمه إلى أن الكتاب أبرز مدى تأثّر الشعراء بالبيئة والمجتمع المحيطين بهم، بحيث تشكّلت لديهم صورة البطل من وجهة نظرهم من خلال الأحداث التي شهدوها، سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو فكرية أو عقائدية، وقدرتهم على إبانة الغايات والأهداف التي سعى إليها الموحِّدون.
وتبيّن الباحثة أن دراستها أظهرت ثلاثة أبعاد أساسية عند بعض شعراء عصر الموحِّدين شكّلت صورة البطل، منها: البُعد المادي الذي جاء فيه ذِكر أهم الأدوات والوسائل المستخدمة في الحروب، التي خاضها الموحِّدون في المغرب والأندلس، مثل السيف والرمح والخيل، والبُعد المعنوي الذي يتحدّث عن أهم القيم التي ظهرت في جزئية بعض القصائد، ومنها الشجاعة والإصرار والعزيمة والقيم المثلى تجاه الآخر.
إلى جانب البُعد الفكري الذي يرصد هدفين أساسين هما: غاية الموحّدين في إخضاع المغرب العربي، أو الشمال الأفريقي، لسلطتهم، وضمّ الأندلس إلى نفوذهم، وجعل المغرب والأندلس تحت مظلّة الإسلام وامتداده على مساحة جغرافية أُخرى.
ينقسم الكتاب إلى خمسة فصول، يتتبّع الأول الأبعاد البطولية، ومنها البُعد المادي وفيه إشارة إلى استعداد الموحدين للجهاد في الأندلس ماديًا من خلال امتلاكهم الأدوات الحربية، والبُعد المعنوي، ويتضمن حديث الشعراء عن الروح المعنوية التي أسهمت في تشكل صورة البطل، والبعد الفكري، ويوضّح هدف الموحِّدين في صراعاتهم الداخلية والخارجية.
ويتحدّث الفصل الثاني عن أنماط البطل في شعر الموحِّدين، ويشكّل هذا الفصل الأنماط المختلفة للبطل، وجميعها يتّفق على أن البطل شخصية تمتلك الشجاعة والإقدام والقيادة الحربية، وما إلى ذلك من صفات نبيلة وإنجازات بارزة.
أما الفصل الثالث، فهو بعنوان "أبو يوسف يعقوب الموحّدي البطل النموذج في معركة الأرك"، وجاء فيه الحديث عن القصائد الشعرية التي تناولت الخليفة أبا يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن، وبطولته المثالية بعد أن استطاع القضاء على ألفونسو الثامن ملك قشتالة في معركة الأرك، وجاء الفصل الرابع بعنوان "البطولة بين الحضور والغياب بعد معركة العقاب"، الذي يكشف عن الأسباب التي أدّت إلى غياب البطل، وقد عبّر الشعراء عن ذلك من خلال رثاء مدن الأندلس.
وخلصت الباحثة إلى أنها أوجزت في كتابها أهم النتائج التي توصّلت إليها، من خلال اعتمادها على المنهجين الاستقرائي والتحليلي، بما يتناسب مع هذه الدراسة من خلال العودة إلى دواوين شعراء عصر الموحِّدين، والمصادر الأدبية والتاريخية والأندلسية للبحث عن صورة البطل، ومن أهم المصادر والمراجع التي مهّدت الطريق للكشف عن صور البطولة: "المن بالإمامة"، لابن صاحب الصلاة، الذي يضم أهم القصائد الشعرية في عصر الموحِّدين، و"البيان المغرب في أخبار ملوك الأندلس والمغرب"، لأحمد بن محمد المراكشي، و"المعجب في تلخيص أخبار المغرب"، لعبد الواحد المراكشي، و"زاد المسافر وغرة محيا الأدب السافر"، لأبي بحر صفوان بن إدريس التجيبي، و"نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب"، لأحمد بن محمد المقري التلمساني.