- يُظهر الوصف القاتم للحياة وسط الدمار، حيث الصرخات والموت يملآن الأجواء، والناس يتحولون إلى أشباح، والألوان تصبح رمزاً للخوف والفقدان، مع المطر كسيف يقطع القلوب.
- يختتم النص بتجلي اليأس والمقاومة، حيث يتحدى الناجون الظلم والدمار بروح لا تلين، متمسكين بالأمل في عالم مليء بالجثامين والدمار، مع الجنرال المجنون الذي يلهو بجماجم الضحايا.
جثّة في فم ضبٍّ، تلمع حراشفه بالكراهية.
لقد خلعوا زعنفة الحوت، خلعوا أبديّة ناقصة.
ليس ماء ما يهطل على المدينة،
بل هو قطران مُشتعل.
الشمس تكرمشتْ،
صارت مثل تنّور فلاحة
تخرج اليرقات من صدرها.
هل تعلم، ما هي الزلزلة؟
لا عِلمَ لي!
أنت إذن في قلب الزلزلة.
هل قابلتَ بشراً فقدوا أطرافهم،
واحترقتْ بيوتهم، لكنّهم لا يتوقّفون عن الغِناء؟!
لقد رأيتهم:
رؤوس كبيرة،
عيونهم بلون زيتون بيت لاهيا.
إن باغتهم خطرٌ،
صعدوا على سلالم تتدلّى من ظهورهم،
إلى سماء قريبة.
"ماذا تفعل حلقات النار في بيتنا؟!"
يقول طفل يرسم في الهواء رغيفَ الخبز.
"لقد وجدنا البحر أحمر، والسماء مشقوقة".
قال الصيّادون الذين عادوا بلا صيد.
"كان لبيتنا سلالم،
على جوانبها زرعت أمّي الحبق، والنعناع.
هل تقتل الرصاصة الحبق والنعناع؟!"
قالت طفلة وهي تسير على طريق مليء برائحة البارود
النسور التي في الفضاء صارت تطير مقلوبة.
لا تقف تحت صندوق يسقط من أعلى.
أين أقف إذن؟ قِف على قبر أو في مجزرة!
لم يأت نهارٌ يُرمّمُ بيد بيضاء
جروح السماء وجروحنا.
يدُ القاتل كبيرة.
يد القاتل ثقيلة.
يد القاتل برائحة الكلوروفورم.
يد القاتل تُغطّي شاشة التلفزيون.
يد القاتل تكتب البيانات والنشرات.
يد القاتل تُقشّر الآيات من على جدران المساجد والجوامع.
يد القاتل كسرتْ قلب عالَم جبان.
أنا الصليب المعقوف الذي أحرق كتاب الأدعية.
لا تنادني باسمي. أنا الصليب الذي أحرق كتاب الأدعية.
هذا ليس صوت بحر،
ولا صوت رمل،
ولا صوت رضيع.
هذا صوت إله يذبحونه على حجر.
طوق نجاة في كتاب أدعية.
طوق نجاة في حبّة فياغرا.
يمكنكَ الآن أن تموت بسعادة.
مثلما فقدت الأم غطاء رأسها وثيابها،
فقدتْ البلدة...
هل تسمع كلّ ذلك النواح؟!
أسرعت الجثّة لاستقبال القذيفة.
النار لا تشتعل في أظافر القتلى.
لقد رأيتُ أزهاراً تنبت على بطن طفلة،
والكلام يخرج من فمها.
لقد رأيت أشجاراً تبيض أشجاراً مبتورة الأطراف تشتعل.
لقد جاءنا نبأ الذين احترقوا في الحقول وهُم يصلّون.
لم نقل شيئاً. كُنّا نركض خلف مائدة تسقط من السماء.
لم نجد خبزاً ولا بصلاً!
ليتني أخذتُ زهرتي الأنيقة، من بيتنا الذي كان يحترق!
الصرخة ابتلّتْ بالمطر.
الصاروخ أخذ الصرخة إلى بيتها في ساحة المستشفى.
ما أكثر فوّهات البنادق، وما أكثر القهر!
لقد أخذ الموتى أماكن الأشجار في الطرقات وعلى أرصفة المباني.
على الحائط، سهم يُشير إلى بائع أكفان، وغاسل جثامين.
على الحائط، وجهٌ يقرأ البسملة.
على الحائط، بعض بقايا الحائط.
عسكر، يحمل جماجم على أكتافه.
عسكر ينبش جثثاً في مقبرة.
عسكرٌ يشرب دماً صباح مساء.
لا رائحة تخرج من المباني المهدّمة.
حسبها أجنحة فراشات مكسورة، تملأ أرضية الساحة.
حياة باهتة، أبدية.
من كلّ نافذة مهشّمة، ترى عينين، تحدّقان في موت رحل وموت آت.
من كلّ بابٍ مهشّمٍ، تتداعى خطوات القتلى، للدخول.
من كلّ دمٍ سال، تنهض قبور لا حدّ لها.
مَن صبغ ضفيرة الجمجمة بالحنّاء؟
جفّ ثدي الوالدة على خنجر الجندي القاتل.
لا تحسب عدد أذرع الفجيعة يا فتى.
لو رأيت شجراً يبكي أمام بحر، فأنت شاهد على المذبحة.
الأصفر أخذ لونه من عيون الخائفين.
الأحمر أخذ ضحكاتهم كلّها.
أمّا ما تبقّى من الألوان،
فقد تأرجحت من عربة صغيرة يجرُّها حمار مُتعَب.
مطرٌ يأتي من ليل مُوحشٍ.
مطرٌ يسلُّ القلوب من الصدور.
هذه الدوائر تضيق.
هذه الفراشات تحترق.
هذه الجنازات يتبعها موتى في أكفان بيضاء.
هنا السحب تلتفّ على الصيحات.
هنا القمر صار أصغر من حبّة خردل.
هنا يقف الوقت على مائدة فارغة، فقط ليسقط في الظلمات.
يذهب الرؤساء إلى بيت القاتل،
يذهب السفراء والجنرالات إلى بيت القاتل.
أمّا القتيل، تذهب إليه الطعنات والأدعية المبخّرة.
مَن وضع العيون على حوافّ الخناجر؟
لماذا لم تصل الفلكُ بعد؟
سنكتفي بحفنة من التمر الجاف، وندخل النوم زاحفين.
أدار الجنرال المجنون ظهره للكاميرات.
يلهو بحبل تتدلّى منه جماجم صغيرة وكبيرة،
ويصفّرُ لحنه الجنائزي.
ها أنت ذا تلعب بالنيازك.
ها أنت ذا تلعب بالجماجم.
رداؤك كفن طويل، وعينُك تشتهي محرقة.
عندما نحروا النبي على حجر، سال دمٌ أصفر.
وصل التنّين إلى مدينة الفقراء، وضَع بيضة، وقال لا تقربوها.
غطّى البَيْض الأرض على أهلها، ثم فقّس بشراً بأنيابٍ ومخالب.
روى الذين نجوا: غصّت الأرض بالجثامين وقِشْر البَيْض النتنة.
* شاعر من ليبيا