يمزج الفنان التشكيلي السوري عادل داوود بين التعبيرية والتجريد منذ بداياته في نهاية التسعينيات، من خلال تقديمه فضاءات لونية في اللوحة مفتوحة على التأويل، لكنه يحتكم في تجريبه إلى خلفية أكاديمية في تناوله الجسد والطبيعة الصامتة من خلال دراسته الفنون الجميلة في "جامعة دمشق".
ويختبر تلك البساطة في التشكيل عبر استخدام الألوان الزيتية والأكريليك بشكل أساسي لإظهار مدى ذلك التوافق بين الانفعال وبين الإيقاعات المنتظمة للون وتوزيع الفراغ والكتل ضمن توازن مدروس في شكل العلاقات بين مفرداته وتداخل النور والظل أيضاً.
"فوضى" عنوان معرضه الجديد الذي افتتح في "غاليري آرتي كونت" بمدينة فيينا في السادس عشر من الشهر الماضي، ويتواصل حتى الثلاثين من الشهر الجاري، وفيه يتفلت أكثر من الواقع كمرجعية لأعماله التي كانت تستند إلى مشاهد من طبيعة مسقط رأسه في مدينة الحسكة السورية وبين المساحات الرمادية التي تسرّبت إلى لوحته بفعل إقامته فترة ليست بالقصيرة في دمشق.
يستند داوود إلى رؤية طفولية أو حلمية للتفاصيل التي يعيشها وهي تحاكي في جانب منها مأساة بلاده والكوارث التي حلّت بشعبه منذ أكثر من عقد، ما انعكس في المناخات التي يقدّمها من غرائبية وانزياحات نحو الخيال وتكثيفه لتلك العلامات والرموز في محاولة تصويره حجم القلق والاضطراب اللذين يعصفان بالإنسان السوري في جحيم فُرض عليه قسراً ولم يستطع تجنّبه.
يتضمّن المعرض مجموعة من اللوحات تحيل عناوينها إلى ذلك الرعب والغموض المهمنين على الفنان في رسم ما يذكّر بالموت أو بشاعة الحياة التي ربما تتجاوز أحياناً فكرة القتل نفسها، كما في لوحات "وثبة 1"، و"وثبة 2"، و"العشاء الأخير 1"، والعشاء الأخير 2"، و"وحوش 1"، و"وحوش 2"، وغيرها.
هذه الكائنات التي استعارها داوود من الجحيم السوري تظهر هائمة في أعماله ضمن تكثيف لوني يعبّر عن قتامة المشهد ويبعث على ألمٍ من نوع خاص، حيث لا يمكنك أن تصل إلى طريق مسدود من خلاله إنما تظلّ محكوماً بأمل يذكّر بمقولة مواطنه الكاتب المسرحي الراحل سعد الله ونّوس، فتبصر بالنهاية خيط نجاة لامرئيا لكن يمكن الإحساس به.
يقول الفنان السوري في مقابلة صحافية سابقة: "أعمالي ترتبط تلقائياً بذاكرة الألم لدى المتلقي، حيث إنّ العولمة أنتجت ذاكرة جمعية مركبة وهجينة ربما. أعتقد أنّ تغيير مفهوم القبح والعنف وخلق مشهد جمالي وتوظيفه في العمل الفني هو كسر لجموده وبشاعته".