صدر حديثاً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب "الديمقراطية والبندقية: العلاقات المدنية - العسكرية وسياسات تحديث القوات المسلحة"، لأستاذ العلوم السياسية والباحث المصري عبد الفتاح ماضي، والذي يتضمّن عرضاً تحليلياً لسبع دول نجح قادتها السياسيون والعسكريون، إلى حدٍ بعيد، في معالجة العقبات التي فرضتها سياقات هيكلية مُعرقِلة - لا تقلّ عن تلك التي تُواجهها حاليًا دول عربية عدة - وتمكّنوا، عبْر اختيارات وسياسات محددة، من إنجاز هدفَي خروج العسكريين من السلطة، وإقامة الرقابة المدنية الديمقراطية على القوات المسلحة.
يدرس المؤلّف العلاقات المدنية - العسكرية في تجارب سبع دول نجحت في إخراج العسكريين من السلطة، كما حققت قدرًا من النجاح بدرجات مختلفة في معالجة العلاقات المدنية - العسكرية، وذلك للحدّ من نفوذ العسكريين في السياسة أو إنهائه.
ويهتم الكتاب بالإجابة عن سؤالين محوريين بهدف فهم متطلّبات التغيير والانتقال من حكم الجنرالات إلى الحكم الديمقراطي المدني واشتراطات هذا التغيير، فضلًا عن استخراج الدروس المستفادة وخلاصات عمليات الانتقال الناجحة، من خلال طرح تساؤلين؛ الأول: متى يخرج العسكريون من السلطة؟ بمعنى متى، وفي أي ظرف، يضطر العسكريون إلى الخروج من السلطة؟ أو ما العوامل المُهيِّئة لقبولهم الانتقال إلى الحكم المدني الديمقراطي، أو اضطرارهم إلى قبوله؟
يمثل الكتاب مقدمة لفهم حالات عربية تحتاج طرقاً محددة لمعالجة العلاقات المدنية-العسكرية
والسؤال الثاني: متى يخرج العسكريون من السياسة، أو يتم الحدّ من نفوذهم في السياسة؟ بمعنى متى وكيف تجري إقامة الرقابة المدنية الديمقراطية على القوات المسلحة بعد خروج العسكريين من السلطة؟ أو ما الاستراتيجيات والسياسات والآليات التي استُخدمت لتحقيق سيادة القانون والمؤسسات المدنية المنتخبة على الجيوش، ومعالجة نفوذها في السياسة، مع تقوية الجيوش ذاتها والحفاظ على وحدتها وتحديثها وتعزيز مهنيتها؟
تُساهم الإجابة عن سؤالَي الكتاب في تراكم الوعي والخبرة في دولنا العربية، ولا سيما تلك التي تؤدي فيها المؤسسات العسكرية والأمنية أدوارًا محورية في ترسيخ النظم التسلّطية. والهدف هنا ليس مجرد استخلاص القواعد العامة من تجارب الآخرين فقط، بل أيضًا فهم السياقات الهيكلية واستيعابها، أو شروط التغيير ومتطلّباته، التي تُهيّئ المجال السياسي لنمو قوى التغيير في المجتمع، والتي من دونها لا يمكن تصوّر خروج العسكريين من السلطة أو إخراجهم منها، ثم معالجة نفوذهم في السياسة بعد ذلك. لا حتميات في عالم الممارسة السياسية، والتغيير دومًا ممكنٌ إذا توافرت مقدّماته، وقد امتلك المدافعون عنه إرادة الفعل والعمل، من أجل مواجهة التحديات والعقبات وتقديم البدائل ورسم السياسات.
يمثل الكتاب مقدمة ضرورية لفهم الحالات العربية التي تحتاج، بلا شك، إلى طرق محددة لمعالجة العلاقات المدنية - العسكرية، وتراعي الأوضاع العربية واستهداف المشروع الصهيوني للمنطقة، لكن من دون الانفصال، في الوقت نفسه، عن تجارب الشعوب الأخرى التي تتشابه أوضاعها جزئيًا مع الأوضاع في الدول العربية. ويضم الكتاب ثلاثة أقسام، من اثني عشر فصلًا وخاتمة.
يهتم القسم الأول من الكتاب بالعلاقات المدنية - العسكرية من جوانب مفاهيمية ونظرية متعددة، وذلك في الفصول الثلاثة الأولى، بينما يتناول القسم الثاني سبع حالات تطبيقية تقع بين الفصول الرابع والعاشر، حيث دُرست حالة كل من البرازيل والأرجنتين وتشيلي وإسبانيا والبرتغال وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا. وقد جرى في كل حالة بحث طبيعة الحكم العسكري، وطريقة انتقال النظام إلى الحكم الديمقراطي، إضافةً إلى عملية إقامة الرقابة المدنية الديمقراطية على القوات المسلّحة خلال مرحلتي التحول والترسيخ الديمقراطيَّين. إن عرض هذه الحالات بمنهج دراسة الحالة مهم؛ نظرًا إلى أهمية الوقوف عند الخلفيات التاريخية والسياقية في كل حالة، وكذا تطور المواقف والبرامج والسياسات ومعرفة التحديات والمشكلات.
في القسم الثالث، يعود الكتاب بنظرة مقارنة إلى تقديم إجابات محددة عن سؤالَيه؛ حيث يعرض الفصل الحادي عشر طرق الانتقال من الحكم العسكري إلى الحكم المدني الديمقراطي، أي الطرق المختلفة التي من خلالها خَرَجَ العسكريون - أو دُفعوا دفعًا إلى الخروج – من السلطة وإقامة الحكم المدني الديمقراطي، فضلًا عن دور العوامل الخارجية في مسألة الانتقال إلى الديمقراطية، مع التركيز على الجوانب المتصلة بعلاقة الجيوش بالسلطة في مناطق جغرافية مختلفة. بينما يشرح الفصل الثاني عشر بالتفصيل مضامين الرقابة المدنية على القوات المسلحة وأبعادها المختلفة من حيث: من يقوم بها؟ ومتى؟ وما الاستراتيجيات المستخدمة؟ وما سياقاتها الداخلية والخارجية؟