قبل ستِّ سنوات، وقف الممثّل التونسي الشاب عزيز الجبالي ليؤدّي لأوّل مرّة عمله المسرحي المونودرامي "هربة" الذي تولّى كتابته وإخراجه. حينها كان العمل يتقاطع مع الكثير من الأفكار الاجتماعية الرائجة، نجحَت محاولته الأولى، لدرجة بات اسمُه مرتبطاً بها لفترة طويلة.
مرّت سنواتٌ على ذلك العرض، وأدّى الفنّان عدداً من الأدوار بين المسرح والتلفزيون والسينما، إلّا أنّ الجمهور ما زال يؤسّس ذاكرتَه عن الجبالي بناءً على الشخصيات التي أدّاها في "هربة"، وهذا ما دفعه ليطوّر ذلك النص ويقدّمه من جديد.
"هربة 2.0" عنوان العرض المُطوَّر الذي قدّمه الجبالي أوّل أمس الأربعاء، على مسرح "عبد الحفيظ بن عيسى" ضمن فعاليات الدورة التاسعة والثلاثين من "مهرجان بنزرت الدولي"؛ في محاولة منه تجمَع ما بين الشخصية المُستعادَة وبين الأسئلة التي طرَحها بأسلوب هو مزيج خاصّ من الفكاهة والجديّة.
المُثُل العليا والقناعات الشخصية كانت في مرمى تصويبات الجبالي الناقدة، حيثُ ينطلق في تصوّره الجديد من قدرة الناس على اختيار محيطهم، ومع مَن يتفاعلون، بعد أن تمّ اكتشاف كوكب جديد. والسؤال هو: هل يستطيع البشر إنجاز هكذا مهمّة بمفردهم، أو يصحّ تسمية العملية هنا بالاختيارية حقاً؟ أمّا الإجابة التي قدّمها الفنان فهي عنوانُ العمل نفسه الذي يحيل إلى ذلك الكوكب الخيالي.
أدّى الجبالي في عمله أدواراً عدّة، يختزن كلٌّ منها صورة عن ظاهرة اجتماعية؛ من جهة يُطالعنا بأستاذ التنمية البشرية الذي يلعبُ دور المُحكِّم في عملية التصفية والانتقاء لمَن يستحقّ العيش على الكوكب الجديد، إلى جانب شخصيات أُخرى مثل رؤوف، الذي يشتغل في غرفة الموتى بأحد المستشفيات، وسناء، الفتاة المحافظة، وهيكل، الذكي والثري في آن. ويمكنُ القول إنّ الفنان انتقل من شخصية إلى أُخرى برشاقة لا تُذكّر بما أدّاه في نسخته الأولى وحسب، بل تُشير إلى أنّه عاد بأدوات جديدة أيضاً مكّنته من تجنّب "التهريج" وإيصال نقده الساخر.
يُشار إلى أنّ الجبالي شارك في عدد من الأعمال التلفزيونية خلال السنوات السابقة التي صنعت اسمه؛ ومنها: "نوبة" و"كان يا مكانش" و"عشاق الدنيا" و"براءة"، بالإضافة إلى أعمال أُخرى في الفنّ الرابع.