مهّد الاستعمار البريطاني لفلسطين الطريقَ أولاً لعمليات النهب والسَّطو التي انتهجتها العصابات الصهيونية لاحقاً؛ فصحيح أنّ سرقة الأرض والحقوق الفلسطينية قد تمّ ترسيمُها دولياً عام النكبة، إلّا أن الدينامية الأوّلية لها كانت قد أخذت بالاشتغال قبل ذلك بعقود طويلة.
بيوتٌ وأراضٍ نهبها البريطانيون - جهاراً - من أصحابها، ولم يتورّعوا خلال الفترة التي استعمروا فيها البلاد، عن نقل مُلكياتها إلى المنظّمات الصهيونية التي دعموها؛ ومنها "فيلا هارون الرشيد" التي بنَتها عائلة بشارات عام 1926، في حيّ الطالبية المقدسي، وهي بيتٌ مكوّن من طابقين تعود ملكيّته لحنّا بشارات، قبل أن تغزو العصابات ذلك الحيّ بدعم وتسليح بريطاني، وتطرد أهله منه عام 1948، وتضع يدها على البيت.
"على عتبة الدَّار" عنوان الشريط الوثائقي، الذي وقّعته صانعة الأفلام الفلسطينية ساهرة درباس (1964) عام 2019، ويُعرض عند السادسة من مساء بعد غدٍ الثلاثاء، في "دار النمر" بـ بيروت، وذلك ضمن مجموعة أنشطة كان قد أُقيم بعضها على هامش معرض تشكيلي أكبر، بعنوان "مشوار: دروب فنان من فلسطين إلى لبنان..."، ويسلّط الضوء على تجربتَي الفنانَين الفلسطينيَّين مارون وفؤاد طنب، ويتواصل حتى الثالث عشر من أيار/ مايو المُقبل.
شابّة فلسطينية ترجع إلى بيت جدّها الذي اغتصبه المستوطنون
يروي الفيلم حكاية اغتصاب المُمتلكات الفلسطينية من قبل العصابات الصهيونية، وكيف احتلّ الاستعمار الاستيطاني منازل الفلسطينيّين ومالهم. ويبدأ مع قرار الشابّة الفلسطينية فاليري بشارات (21 عاماً)، والتي تعيش في الولايات المتّحدة، بالعودة إلى القدس المحتلّة؛ وهناك تتمكّن، بعد الكثير من الحواجز ونقاط التفتيش الإسرائيلية، من الوقوف أمام إرث عائلتها القديم "فيلّا هارون الرشيد" في حيّ الطالبية المقدسي. إنها عودة الجيل الشاب إلى ميراث أجداده الذي لا يُنسى، ولا يُمكن أن يسقط بالتقادُم.
تنفتح عدسة درباس على مشهد يجمع نقيضَين. فمِن جهة، لدينا صاحب الحقّ، الذي يتمثّل بالفلسطينية الشابة، وبالمقابل هناك المُحتل الذي تمثّله عجوز لا تقوى على الحراك. رمزيةُ التقاء جيلين مُختلفين، وجهاً لوجهاً، يحمل في طيّاته دلالات كثيرة، ويُشير إلى أيّ مآل سينتهي الكيان الاستعماري، أمام حيوية فلسطينية تتقدّم لم تنل من ذاكرتها قسوة اللجوء والشتات، ولا جعلتها السنوات مُغتربةً عن المُطالبة بحقّها التاريخي.
ويُذكّر الشريط أيضاً، من خلال الإضاءة على البيت وديكوراته الداخلية والخارجية، بالمدينة العربية المُحتلّة، وما كان سائداً فيها من طُرز عمرانية، في التفاتةٍ نحو جمال ما انفك الاحتلال يطمسه ويخربه، خصوصاً مع سطوِ المُجرمة غولدا مائير على الطابق العُلوي من المنزل في ستينيات القرن الماضي.
يُشار إلى أنّ الفيلم حصل على جوائز عديدة، منها: "مهرجان الأرض" في إيطاليا (2021)، و"مهرجان القدس الدولي للسينما" (2020)؛ والجدير بالذِّكر أيضاً، أنّ لدرباس أعمالاً تدور في ذات السياق، حول الذاكرة والمكان الفلسطيني المُستعمَرَين، مثل: "غريبة في بيتي"، و"حفنة تراب"، و"قرية ومذبحة دير ياسين".