عند الشروع بكتابة تاريخٍ لانعكاسات الثورة السورية في الفن، لا بدّ للفنّ التشكيلي ــ والفنون البصرية بشكل عام ــ من الحضور في مقدّمة الحقول التي داومت على محاورة المجريات السورية والتأثّر بها، مبديةً مرونةً لم نرَها بهذه الكثافة في حقولٍ إبداعيى أُخرى، كالكتابة الشعرية، والمسرح، وحتى السينما، باستثناء بعض الأفلام الوثائقية.
تأثيراتُ الثورة، والأوضاع التي يعرفها البلد منذ أكثر من عشرة أعوام، حاضرةٌ بشكل واضح في كثير من أعمال الفنانين الذين تمتدّ تجاربهم لسنواتٍ قبل ربيع 2011، ومن بينهم عمران يونس (1971)، الحاضر في المشهد التشكيلي السوري منذ بداية العقد الأوّل من الألفية الجديدة، والذي راحت تجربته تأخذ ملامح جديدة منذ اندلاع الثورة.
في معرضه الجديد، "حكاية الصبّار"، المستمرّ حتى الأربعاء المقبل، الثلاثين من حزيران/ يونيو الجاري، في رواق "ميشين آرت" ببيروت، يُقدّم الفنان المولود في مدينة الحسكة (شمال شرق) والمقيم في دمشق، مجموعةً من آخر اشتغالاته التي تحضر فيها هذه النبتة الشوكية، الصبّار، كمحورٍ شكليّ وكمقولةٍ فنية ورمزية في الوقت نفسه، حيث يُعطي الصبّار شكله وشوكه حتى لألوان ومشاهد لا يحضر عادةً فيها.
تنتمي الأعمال المعروض إلى آخر اشتغالات الفنان، حيث تحمل في الأغلب تاريخ العام الحالي (وكعادة الفنان إلّا ما ندر، فهي بلا عناوين، ويمزج في تقنياتها مواد مختلفة على القماش)، لكنّها لا تقطع تماماً مع الأبحاث التي يُجريها منذ عدّة سنوات، حيث الرغبة في قول العنف الذي تعيشه البلاد، أو في تصوير مشاهد منه.
نلحظ هذه الرغبة التسجيلية في تراكب الأشكال وتمزّقها، وفي الألوان الحارة والقانية، المراوحة بين خضار مائل إلى السواد والأحمر الدمويّ، وهي ألوان وتطوينات لم تكن حاضرةً بهذا الشكل في تجربة يونس قبل 2011، رغم أن هذه الأعمال ما تزال ــ في جزء منها ــ وفيّة إلى بعض تكوينات الأولى، حيث يُحوّل سطح اللوحة إلى معرضٍ لمفرداتٍ عُضوية وبشرية متجاورة.
على أنّ هذه المفردات تحضر هذه المرّة ملتفّة على بعضها، شائكة ومتراكبة، حالها كحال الصبّار الحاضر في أغلب هذه الأعمال، بشكل أكثر وضوحاً من أعمال يونس السابقة، التي كان جزءاً فيها إلى جانب عناصر أُخرى، كفاكهة وحيوانات ووجوه أو أجساد بشرية. كيفُ يُمكن قراءة هذا الصبّار؟ قد تكون هذه النبتة من أكثر النباتات في الثقافة العربية والتاريخ ازدواجيةً، فهي تقول الصبرَ وحُلو الطعم والعيش من ناحية، وتقول الشوك والجُرح وصعوبة العيش وقساوته من ناحيةٍ أُخرى ــ مفارقةٌ تفتح الباب واسعاً على وضع الثقافة السورية في أيامنا هذه.