في نسخته الأُولى التي انتظمت بين 17 و19 تموز/ يوليو الجاري، استعاد "مهرجان ميزان السينمائي"، المُخصَّص للأفلام الوثائقية والدرامية التي تتناول قضايا الجريمة السياسية (نظّمته "مؤسسة لقمان سليم"، وتزامن إطلاقُه مع "اليوم العالمي للعدالة الدولية")، عملاً وقّعه المُخرج السينمائي السوري الراحل عمر أميرالاي (1944 - 2011) عام 1996، وحمل عنوان "في يوم من أيام العنف العادي: صديقي ميشال سورا"، وفيه يروي قصّة صديقه الباحث الفرنسي (1946 - 1987) الذي اختُطف مع الباحث جان بول كوفمان في بيروت عام 1985، من قِبل "منظمة جِهادية" بتعبير الفيلم، ثم قُتِل بعد ذلك على يد خاطفيه عام 1986.
جمهورٌ واسع ومتعدّد الأجيال جاء ليشاهد الشريط في "مركز مينا للصورة". ورغم كلّ السنوات التي مرّت على الجريمة، إلّا أنّ هذا الحضور يعكس ما يعبّر عنه الفيلم من قيمة سياسية وإنسانية ظلّ أميرالاي مُنحازاً لها في أعماله.
ليس العمل فعل إدانة للخطف والقتل بما هما شكلٌ من أشكال الجريمة السياسية، بل يلفت أيضاً إلى الخلفية الفكرية التي تتحرّك وفقها هذه الجريمة. وهنا يأخذ التوثيق الذي اعتمده الشريط مساراً آخر، فالضيوف يقدّمون شهاداتهم الشخصية عن صاحب "الدولة المتوحّشة: سورية بين سنتي 1979 و1982"، بعد عشر سنوات من وقوع الجريمة، وفي ذات الوقت هم يُعيدون سرد الحدث السياسي العامّ في البلد، خلال جزء هو الأعنف من تاريخ الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990).
أفلامُه ضرورية لفهم الراهن السياسي في كلا البلدين: سورية ولبنان
يتساءل أميرالاي في مقدّمة شريطه: "ميشال يا صديقي، كيف أصنع عنك اليوم فيلماً دون أن يستفزّ ذلك ذاكرتنا المكلومة، وينكأ فينا جراحاً لم تندمل بعد؟ كدتُ أتخلّى عمّا عزمتُ عليه لو لم يبلغني خبرُ ما جرى لأبيك، فقرّرت المُضيّ حتى النهاية في ما نويتُ عليه. بعد فترة وجيزة من إعلان موتك رحلَ والدُك. قضى من شدّة الأسى عليك. مات وهو لا يعلم ما كنتَ تفعله في ذلك الشرق البعيد ولا لماذا قتلوك".
وفي ظرف سياسي كالذي يعيشه لبنان منذ أكثر من ثلاث سنوات، يتجدّد حضور أفلام صاحب "طوفان في بلاد البعث" (2003) الذي انتمى لتيّار اعتبر حرّية لبنان من حرّية سورية، وكلاهما يُشكّل قضيّة واحدة. وفي هذا الإطار، يُعرض في "متحف سرسق"، عند السابعة من مساء اليوم الأربعاء، شريطٌ للمخرجة السورية هالة العبد الله، بعنوان "عمر أميرالاي: الألم، الزمن، الصمت" (2021)، وفيه ترسم صورة مؤثّرة لصانع الأفلام ونشاطه في الدفاع عن حقوق المدنيّين السوريّين، وانتقاد النظام البعثي.
منذ وفاة أميرالاي المفاجئة عام 2011، انطلقت المُخرجة في رحلة استمرّت عقداً من الزمن، لتكرّم صديقها، ولتتأمّل في صناعة الأفلام كفعل مقاومة، حيث جمعت مقاطع المقابلات والمُحادثات الحميمة التي جمعتهما عن الصمود والحياة والموت وقوّة السينما.
يلي العرضَ نقاش بين المخرجة والكاتبة نجوى بركات. وتُعرض مجموعة شرائط، في نفس المكان مساء اليوم التالي، من إنجاز المخرج السوري؛ وهي: "الدجاج" (1977)، و"هناك أشياء كثيرة كان يُمكن أن يتحدّث عنها المرء" (1997)، و"طبق السردين" (1998).