انفتح عمر النجدي منذ بداياته في خمسينيات القرن الماضي على مروحة واسعة من المصادر البصرية، بدءاً من الفن الآشوري ووادي الرافدين، ومروراً بالأيقونات المصرية القديمة والقبطية ووجوه الفيوم، وليس انتهاء بالزخرفة والحروفيات العربية الإسلامية ومفردات الفن الشعبي.
الفنان التشكيلي المصري (1931 – 2019)، المولود في حي باب الشعرية، اجتذبته باكراً طقوس زفة العروسة والمولد والأراغوز ومواكب الطرق الصوفية، وجلسات المقاهي، وانخرط مبكراً بعد حصوله على درجة البكالوريوس من كلية الفنون التطبيقية، مع عدد من الفنانين الذين أسسوا "جماعة فسيفساء الجبل" ونفذوا أعمالاً في شوارع مصر وميادينها العامة.
"العنقاء تسمو"، عنوان المعرض الاستعادي للنجدي الذي يفتتح عند السادسة من مساء غدٍ الثلاثاء في "غاليري آرت توك للفنون" في القاهرة، ويتواصل حتى الثلاثين من الشهر المقبل، ويضيء تجربته المتعدّدة في الرسم والخط والخزف والنحت والحفر.
يستمد عنوان المعرض من اسم جماعة "العنقاء" (فينيكس)، التي كان النجدي أبرز رموزها في الستينيات، وحملت أفكاراً صوفية حول الأدب والفن والحياة، واختارت الطائر الخرافي العربي ليعبّر عن نظرتها إلى الفن وأصوله الممتدّة في التراث.
قدّم الراحل العديد من الأعمال المستقاة من الطبيعة والبيئة المحلية والتي نأت عن المحاكاة المباشرة، وهناك أيضاً اللوحات الحروفية التى تعتمد على تكرارية حرف السين أو الألف واللام والميم في منظومة هندسية، في تطوير لقاموس لغته التشكيلية الذي أصبح الحرف فيها جزءاً من اللوحة على غرار العديد من التجارب العربية في النصف الثاني من القرن العشرين.
يشير الفنان والناقد عز الدين نجيب إلى أن "الحرف كان هو `ضابط الإيقاع` فى ألحانه المرسومة، ومنه أيضاً يتشكل `التون` وتتكون الجملة الموسيقية تشكيلياً، وعن طريقه تستمد شحنتها التعبيرية: سرعة أو بطئاً، وتستمد شحنتها التعبيرية: هدوءاً أو صخباً، رقة أو عنفاً، وكان الحرف أصلح صيغة لجعله حميم الصلة بجذوره الإسلامية، وبروحانيته المائلة إلى الصوفية، لما يملكه من طواعية للترديد المنتظم اللانهائي في ما يشبه الذكر والتسبيح".
كما وظّف النجدي عناصر أخرى، مثل البراعم والزهور، وأيضاً عملية نمو الجنين، وانعكست في فكرته التي قدّمها بصرياً في النمو والتفرع والتوالد والاتساع فى كل الاتجاهات اتصالاً بالخالق، واستعار الحروف والأرقام للتعبير عن هذه العناصر.
يُذكر أن عمر النجدي حصل على أكثر من شهادة عليا من معاهد إيطالية، سواء في فن التصوير الجداري أو النقد الفني أو فن الموازييك، كما درس فن الغرافيك في "أكاديمية بان فان إيك ماسترخت" بهولندا، وأقام العديد من المعارض الشخصية في فرنسا واليابان وإيطاليا وبريطانيا وهولندا ومصر.