أكتب هذا العمود على مضض. وعلى الرغم من أنّني قد أتلقّى قدرًا كبيرًا من الرسائل غير السارّة في بريدي الإلكتروني بعد أيّ عمود أنشره، إلّا أنّني أعلم من تجربتي أنّ هناك موضوعين يضْمنان كمّيات كبيرة من رسائل الكراهية: الاعتداء الجنسي على الأطفال و"إسرائيل". ورغم أنّي لا أريد بأيّ شكل من الأشكال الإيحاء بوجود علاقة بينهما تجنُّبًا لسوء الفهم، ورغم أنّه، من الناحية النظرية، لا شيء يمنعني من الكتابة اليوم عن موضوع لطيف وبريء، مثل قرار مجلس النوّاب في التشريع القانوني للحقّ في اللغة المفهومة، لكنّني بعد أحداث الأيام القليلة الماضية، وتحت طائلة الاتهامات المبرَّرة بعدم الاهتمام والجبن، من المستحيل بالنسبة إليَّ أن أتجنّب إثارة الصراع بين "إسرائيل" وفلسطين.
وممّا يُصعّب الكتابة عن هذا هو أنّ الآراء مقرَّرة سلفاً. أنت مُلزَم هنا بأن تكتب عن الحقّ في الدفاع عن النفس لنظام فصل عنصري إجرامي لدولة توسّعية، أُدينت مراراً وتكراراً بانتهاك حقوق الإنسان. إنّ هذا الذي يُسمّى حقّاً في الدفاع عن النفس يمثّل إشكالية من وجهة نظر قانونية؛ حيث إنّ فلسطين لم يتمّ الاعتراف بها كدولة مستقلّة من قبل الدول التي تتذرّع بهذا، ولأنّ ذريعة الدفاع عن النفس هذه تتضمّن إنكاراً لحقيقة أساسية تتمثّل في كون قطاع غزّة محتلّاً من قبل "إسرائيل".
هذه الحقيقة تجعل كلَّ نقد لذريعة دفاع "إسرائيل" عن النفس غير مرحَّب به. علاوةً على ذلك، يجب منح هذا الحق لـ"إسرائيل" دون قيد أو شرط، فلا تجوز الإشارة إلى السياق التاريخي للمقاومة الفلسطينية واستخدام "إسرائيل" القمع الممنهج ضد الشعب الفلسطيني كتفسير لأعمال العنف الأخيرة (أقول التفسير وليس التبرير). علاوةً على ذلك، يجب أن تُسمّى أعمال العنف هذه إرهابًا، ومن المحظور تمامًا أن تصف هؤلاء الإرهابيّين بأنّهم مقاتلو مقاومة فلسطينيّون، هُم الذين يستندون إلى نفس حق الدفاع عن النفس الذي نمنحه لـ"إسرائيل" دون تحفُّظ.
لا تنبغي مناقشة حقّ الفلسطينيين في الحرية، ولا ينبغي بالتأكيد التعبير عنه بالرغبة في أن تصبح فلسطين حرّةً في يوم من الأيام من النهر إلى البحر، لأنّ ذلك يعني ضمناً تحدّي حقّ "إسرائيل" في الوجود، وهذا أمرٌ سيئ مثل إنكار المحرقة. والحقيقة أنّ غزّة بها مليونا فلسطيني وقد حبستهم "إسرائيل" على قطعة أرض صحراوية بدون ماء وكهرباء. إنّ قصف معسكر الاعتقال هذا، لا يمكن أن يُسمّى إرهابًا، ولا ينبغي التغاضي عن العنف الذي يمارسه الفلسطينيون بأيّ شكل من الأشكال، ولكن يجب أن نصف العنف الإسرائيلي بأنه مشروع ومبرَّر.
يُصعّب الكتابةَ عن فلسطين أنّ الآراء هنا مقرَّرة سلفاً
يقول فرانس تيمرمانز (زعيم اليسار الهولندي المتّحد، المُترجم): "عندما يموت الأطفال، يجب أن يكون حكمنا الأخلاقي ثابتًا". لكنّ الأطفال الفلسطينيّين الذين يموتون يجب ألّا يُحسب لهم حساب في حكمنا الأخلاقي. لقد تعرّض مستشفى في غزّة للقصف. وعلى الرغم من أنّ "إسرائيل" تُهدّد بقصف المستشفيات الفلسطينية منذ أيام، إلّا أنّها تقول إنّ هذا المستشفى الفلسطيني تعرّض للتوّ للقصف من قبل الفلسطينيّين أنفسهم. إنّنا نتبع الرئيس بايدن في قوله إنّ هناك شكوكًا معقولة حول تورّط "إسرائيل" في المذبحة، ونؤكّد مُجدّدًا أنّنا سندعم "إسرائيل" دون قيد أو شرط.
وبعدما عبّرتُ عن جميع هذه المواقف الإلزامية، يمكنني أن أخوض بحذر في حقيقة مفادها أن هناك فرقًا بين السكّان الفلسطينيّين وحماس، كما أنّ هناك جزءًا مهمًّا من الإسرائيليّين لا يدعم النظام. اللافت للنظر في هذه المقاربة هي أنّها تُمكّننا من أن نرمي مسؤولية سفك الدماء على القادة المتعطّشين للدماء من الطرفَين، ثم نتنفّس الصعداء، حيث يمكننا لحسن الحظّ ألّا نضطرّ إلى الانحياز إلى أحد الجانبَين.
أمّا الآن، وقد صدر قانون إلزامية اللغة الواضحة، فلم يعُد بإمكاني التعبير عن الاستنتاج الوحيد الصحيح إلّا كما يلي: طالما لا توجد دولة فلسطينية حرّة، فإن الشرق الأوسط برمّته سوف يظلّ بؤرة مشتعلة. وما دامت "إسرائيل" تصرّ على سياستها المتمثّلة في انتهاك الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، فإنّها لا تستحق دعمنا.
* شاعر وروائي هولندي. المقال من موقع "HP/De Tijd.
** ترجمة: محمد الأمين الكرخي