يعتبر الفنان الأرجنتيني غابرييل تشايل نفسه عالم أنثربولوجيا يُمارس فنوناً بصرية، حيث يُحاول في أعماله التركيبية ومنحوتاته فَهْم السلوك الإنساني لحضارات بلاده القديمة قبل اكتشافها من قِبل كريستوفر كولمبس، بالإضافة إلى الدمج بين التقاليد المعمارية والفنية لتلك الحضارات وبين الفنّ المفاهيمي.
تحتلّ الممارسات الطقوسية والروحانية الموضوع المفضَّل لديه، وكذلك فنون الغناء والطبخ والعمارة الطينية في منطقة توكومان بشمال غرب الأرجنتين والتي تعكس تاريخها متعدّد الطبقات، منذ حضارة الإنكا حيث كانت مركزاً للزراعة بفعل وجود عدّة أنهار فيها، وصولاً إلى القرن العشرين.
افتُتح مساء الأربعاء الماضي معرض تشايل الجديد في "ستوديو فولتير" بلندن، تحت عنوان "عادات وتقاليد" والذي يتواصل حتى العاشر من أيلول/ سبتمبر المقبل، بالاشتراك مع الرسّامة الأرجنتينية لورا أوخيدا بور.
يستخدم تشايل الطين لإنشاء أوعية مُجسّمة تُشبه المباني التي انتشرت في الشمال الأرجنتيني، ما بين القرنين السادس عشر والثامن عشر الميلاديَّين، حيث تمتزج تقاليد وطُرز معمارية أوروبية مع الحِرف والموادّ التقليدية في أميركا الجنوبية، ما يعني تقديم سردية تاريخية مُختلفة عن تلك الحِقبة التي يُنظر إليها غالباً كتعبير عن المُستعمِر الإسباني وفنون عمارته بشكل حصري.
كما في جميع أعماله السابقة، يستعيد معرفة الأجداد، ومعتقدات السكّان الأصليّين، التي تم محوُها وقمعُها على يد الاستعمار، ولتكثيف هذه الرؤية يُغطيّ تشايل أرضية المعرض بالطّين في تأكيد على استخدام المادّة الخام التي فرضت تغيُّراً أساسياً في شكل المعمار الأرجنيتني، والذي استعار أنماطاً غربية في تلك الفترة.
من جهتها، تقدّم بور رسومات تُركّز مضامينها على النوافذ و"المناور" في هياكل الطوب "اللِبن" المَبنِيّة، والتي تكشف خصوصيةً في شكل تلك الشبابيك، مُستمدّةً من التراث الأميركولاتيني، وتستحضر أيضاً ديناميّات السلطة في المجتمع عبر تصوير العلاقات الاجتماعية في الفضاء العام، لتعكس مع خزفيات تشايل صيغة جديدة من العلاقات العاطفية والثقافية بين الماضي والحاضر.
تشايل الذي ينحدر من عائلة امتهنت الحرف الشعبية، ويمتلك فهماً أعمق لعلاقة العديد من الأدوات والأشياء التقليدية بالسلوكيات الجماعية، وهي الثيمة الأساس التي يستند إليها المعرض، حيث تتجاور مجسّمات الأفران الكبيرة القديمة وواجهات الكنائس مع رسومات للناس بالقرب من تلك المعالم.