استمع إلى الملخص
- المعرض يُبرز كيف أثر العدوان على غزة في إعادة صور النكبة للأذهان، مع التركيز على الدمار والخراب ولكن أيضًا على قوة الحق والانتماء والتمسك بالأرض.
- وديع خالد، من مواليد مخيم العرّوب 1986، يعبر عن تجربته وتاريخ عائلته المهجرة منذ 1948، محاولًا إضافة بُعد جديد للفن التشكيلي الفلسطيني، مُشيرًا إلى التحديات التي يواجهها الفنانون الفلسطينيون وأهمية الصمود.
هل يُمكن الحديث عن تيّار في التشكيل الفلسطيني بدأت تظهر بعض ملامحه بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023؟ سؤال يتردّد اليوم مع كلّ معرض أو لوحة جديدة تستحضر واقع الشعب الفلسطيني وصموده في وجه آلة القتل الصهيونية المُسلّطة عليه. ضمن هذا الإطار، يمكن قراءة معرض "من غُرفتنا في المخيّم" للتشكيلي الفلسطيني الشابّ وديع خالد (1986)، والذي افتُتح أمس السبت في "غاليري باب الدير" برام الله، ويتواصل حتى الثلاثين من تموز/ يوليو المُقبل.
التقت "العربي الجديد" خالد الذي تحدّث عن الهاجس الذي يشغلُه كتشكيلي فلسطيني في ظلّ ما يجري من عُدوانِ إبادةٍ على غزّة، مُوضّحاً: "منذ نكبة 1948 وهناك همٌّ عامّ في حياتنا كفلسطينيّين، لا هواجس شخصية، وإحساسٌ ظَلّ يرتفع ويهبط وفقاً للأحداث اليومية التي نعيشها، عند حدوث مشهد نصر ما، ولو بسيطاً، حين الإفراج عن أسير مثلاً، أو كأن تدخُل القدس زائراً مُتعبّداً. أمّا بعد العُدوان الإبادي فأصبح كلُّ ما سبق جزءاً من لاوعينا، ظاهراً ومُسيطِراً علينا جميعاً. فمنذ بداية العُدوان تلاشى الأمان والاستقرار على جميع الأصعدة".
استعادة لرمزيّة المخيّم وائتلاف العائلة وآلام المسيح الفلسطيني
ويستطرد التشكيلي الفلسطيني في الحديث حول الفكرة القائمة وراء "من غرفتنا في المخيّم" وكيف تشكّلت، حيث يقول لـ"العربي الجديد": "ما وراء المعرض تاريخٌ أكثر منه قصّة، وعودة إلى إرث فلسطيني يمتدّ من زمن الكنعانيّين وصولاً إلى التاريخ القريب. وفي كلّ هذا بقيت هناك عناصر ثابتة على المستوى الشعبي: كاجتماع العائلة، ومفهوم الحبّ المُستعاد والمتمثّل بالأساطير، وهذا ما شعرتُ به حينما بدأتُ العمل على أوّل لوحة وكانت بعنوان 'استراحة مُحارِب'، واسترجعتُ فيها ذاكرة حرب الخليج عام 1991".
ويرى خالد أنّ "العُدوان على غزّة أعاد الصورة الأُولى للنكبة، وقد تمّت ترجمة هذا بصريّاً حيث باتت تسُود صورة واحدة، في الإعلام كما في الفنون، وهي صورة الدمار والخراب والدماء. لكن وراء هذه الصورة تكمُن قوّة حقّ وانتماء. وهذا ما أشتغل على إظهاره في المعرض، حيث قوّة العائلة والتمسُّك بالأرض والحقّ الساطع كالشمس".
المُتأمِّل في أعمال وديع خالد يرى تجلّيات واضحة لرموز التراث والثقافة الفلسطينيّة، مع ذلك لا يُحبّذ التشكيلي وصف أعماله بأنها تنتمي إلى تيّار جديد، بل محاولة لإظهار سمة جديدة: "ما أراه أقرب لنظري وقلبي هو الصبغة الفلسطينية. أي أنّ كلّ عمل حقيقي أصيل تظهر فيه ملامح تلك الصبغة بشكل لا شعوريّ، وهذا ما يراه المُشاهد في أعمالي. يُمكنني القول إنّني ما زلتُ أُحاول بتلك الخطوط التي تبدأ وتنتهي بها أعمالي إظهار وإضافة سِمَة جديدة".
يلتقط وديع خالد في معرض "من غرفتنا في المخيّم" تفاصيل جماليّة لا تبرح إطار البساطة، مثل حضور آلة العود، وتجمُّع الأسرة، والعَودة الدائمة إلى المسيح الفلسطيني الذي يحتضن صليبَه، رموزٌ يُفضّل أن يقرأها صاحبُها من خلال مقولة "النكبة المستمرّة"، مُذكِّراً بالمُحترَفات وصالات العرض التي تعرَّضت للتدمير في غزّة، وباستشهاد عشرات الفنّانين التشكيليّين: "مع ذلك ما زال هناك الكثير منهم صامدين في القطاع، ومنهم، كما من أهل غزّة عموماً، نستمدّ الصبر والجَلَد والقوّة".
ويختم خالد حديثه إلى "العربي الجديد" بأنّ الإبادة فرضت تحدّيات جَمّة على مُمارسي الفنون الفلسطينيّين، لكنها ليست جديدة بل نابعة من الشرط الاحتلالي القائم: "التحدّيات لم تنقطع حتى قبل العُدوان. بالعكس، حينها كانت هناك مجموعة أفكار ملوّثة يتمّ تمريرها عبر الفنون وتحت ذريعة الانفتاح على العالَم الخارجي. ومن بين ذلك، مُحاولة وَضْع الفنّان الفلسطيني في مَحلّ مُقارنة مع فنّاني العالَم من دون الأَخْذ بعين الاعتبار خصوصيّته، وخصوصيّة حضارة وتاريخ أرض ونكبة وقضيّة شعب".
بطاقة
تشكيليّ فلسطينيّ من مواليد مُخيّم العرّوب شمال مدينة الخليل عام 1986. ينتمي لعائلة هُجِّرت عام 1948 من قرية عراق المنشيّة، التي تقع على بُعد 32 كم شمالي غزّة. على جُدران المُخيّم وقّع تدريباتِه الأُولى على التشكيل والرسم وهو في عُمر الثالثة عشر، قبل أن يُعتقل وهو فتى إبّان انتفاضة الحجارة عام 2000 ومرّة أُخرى عام 2004. درس الغرافيك والوسائط المتعدّدة في "جامعة البوليتكنيك" بالخليل، ثم انتقل لدراسة الفنون الجميلة في "جامعة القدس". شارك في العديد من المعارض الفنّية المحلّية والخارجية، وفي عام 2016 بدأ بالعمل على مشروع "تاريخ الفنّ الفلسطيني للأطفال"، وهو سلسلة من القَِصَص القصيرة تتناول شخصيات أدبيّة وفنّية بارزة في تاريخ القضيّة الفلسطينية.