غياب عبد الرؤوف شمعون.. لوحة تكثّف كابوس اللجوء

28 فبراير 2024
عبد الرؤوف شمعون (1945 -2024)
+ الخط -

قدّم الناقد والفنان التشكيلي الأردني الفلسطيني عبد الرؤوف شمعون (1945 -2024) الذي رحل أمس الثلاثاء في عمّان، تجربة مغايرة عن مجايليه، استندت إلى بحث وتجريب في اللوحة واشتباكاتها مع الأدب والفكر، بالإضافة إلى كتاباته النقدية والسردية التي عكست عمقاً ثقافياً ومعرفياً، وحساسية عالية في التعامل مع الحياة والفن.

حاز الراحل درجة البكالوريوس في الجغرافيا من "الجامعة الأردنية"، وعمل في التدريس بضع سنوات، قبل أن يقرّر العودة إلى حلمه القديم الذي تشكّل لديه منذ طفولته الأولى في المخيم، حين احتفظ بنسخة من لوحتي "إلى أين" و"عجوز ونار" لإسماعيل شموط، وتعرّف على أدوات الرسم لكن لم يجرؤ على البوح برغبته في دراسة الفن.

شمعون الذي راكم اطلاعاً واسعاً على الأدب والنقد والفلسفة منذ أيام الدراسة، توجّه إلى الفن الذي تعلّمه بنفسه من خلال قراءاته المكثفة وتفاعله مع الفنانين، أقام معرضه الأول عام 1972 في مرحلة كانت الواقعية أسلوب لوحته، وتعبّر عن انحيازات أيديولوجية وسياسية في فترة صعود اليسار وهيمنته على الوسط الثقافي.

لوحة "بُعد" لعبد الرؤوف شمعون
لوحة "بُعد" لعبد الرؤوف شمعون

وزاوج منذ بداياته بين الكتابة الأدبية وبين الرسم والنحت، كما كتب النقد في مقالات ودراسات ركّز كثير منه على المشهد التشكيلي الأردني، وتأملات في تجربة تعود بداياتها إلى فترة مبكرة، وتشير إلى إرهاصاته الأولى ونزوعه نحو التمرّد على واقعه واختيار الفن طريقاً ومذهباً، وهو ما حصل بالفعل.

في شهادة إبداعية نُشرت عام 2000، دوّن شمعون "أنا الطفل الذي وجد نفسه جزءاً من البرية، حيث الأهل تحت شيء يشبه الخيمة، وبعض الأصوات الآدمية التي تهتف على إيقاع طبل، تبشّر بالهلاك وتعلن موعد قيام القيامة.. اثنان فقدتهما قبل أن أعرفهما، وقبل إحساسي بالانتماء لهما هما: الوطن وأبي، من هنا جاءت إمكانية إعادة إنتاج الكابوس والتشرد، في حالة إبداعية، تتوفّر فيها شروط الإبداع الواقعي".

تحوّلات بطيئة ومدروسة عرفها الفنان، بدءاً من التشخيص ثم التعبيرية التجريدية، والتجريد، وصولاً إلى مرحلة لم يعد يتبنى خلالها أسلوباً محدداً فيبدو أن مفردات لوحته تنحو إلى التجريد لكنها في الحقيقة انتزعت من واقع ظلّ يعيد توليد معانيه؛ واقع اللجوء بأسئلته القاسية التي تعود هناك بعيداً إلى الخيمة.

نشر شمعون العديد من المقالات والدراسات النقدية، كما ساهم في وضع مناهج التربية الفنية في الأردن، إلى جانب رسوماته التي تضمّنها عدد من الكتب منها "كفر قاسم والمحاكمة العادلة"، و"قافلة الفداء: محمد حمد الحنيطي وسرور برهم"، و"عرس الروح: الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود"، و"سر جبال أوراس.. جميلة بوحيرد".
 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون