فرانسيس بيكون.. بورتريهات الألم الإنساني

20 أكتوبر 2024
من المعرض
+ الخط -

حتى التاسع عشر من كانون الثاني/ يناير المقبل، يتواصل في "غاليري الصور الوطني" بلندن معرض "وجود إنساني" للفنّان الأيرلندي البريطاني فرانسيس بيكون (1909 - 1992)، والذي افتتح في العاشر من الشهر الجاري، ويضمّ أكثر من خمسين عملاً نفّذها الراحل بعد الأربعينيات.

أشكالٌ بشرية مشوّهة ومرعوبة سيطرت على لوحات بيكون منذ عقد الأربعينيات، في لحظة مفصلية أثّرت على كامل تجربته، إذ أُعفي من الخدمة العسكرية بسبب إصابته بمرض الربو، ثم عمل منقذاً متطوّعاً في الدفاع خلال الحرب العالمية الثانية حتى ترك الوظيفة عام 1943، لكن المَشاهد التي عاشها استقرّت في لوحته.

يُضيء المعرض كيف تعامل الفنّان مع فنّ البورتريه؛ حيث رسم عملاً في ثلاث لوحات بعنوان "دراسة ثلاثية لشخصيات مصلوبة"، عُرضت لأوّل مرّة قبل انتهاء الحرب الثانية بأشهر قليلة، وهي وتُصوّر ثلاثة مخلوقات مجسّمة تتلوّى على خلفية برتقالية محترقة مسطّحة، وقد صدمت حينها النقّاد وأثارت جدلاً لم يتوقّف حول مشروع بيكون الفنّي الذي بدأ بالتبلور آنذاك.

من المعرض
من المعرض

بحلول عام 1946، أنجز عملاً آخر جلب مزيداً من الجدل؛ حين حاول رسم طائر يهبط في أحد الحقول، لكنّه انتهى بعمل يحتوي مجموعة من الجثث ورجل مشوّه ومقطوع الرأس تقريباً تحت مظلّة، وتتالت أعماله التي بدت بسيطة وتعبّر عن شخصية واحدة، مع تركيز على تفاصيل مهمّة ومزعجة؛ مثل الأفواه المفتوحة والأسنان والأذنين، كما في لوحة "الرأس الأوّل" (1948) التي رسمها باللونين الرمادي والأسود فقط.

مَشاهد التوتّر والرعب سيطرت على شخصيات بيكون التي تميّزت بصرختها التي تُكثّف كلّ صراعاتها وعنفها الداخلي؛ الصرخة التي أطلقها أيضاً الموتى الذين رسمهم في صناديق شفّافة بعد الحرب العالمية ـ حيث الملايين قُتلوا ولم يحصل كثير منهم على قبر مستقلّ.

يحيل عنوان المعرض إلى تشكيكات الفنّان حول بشرية الإنسان بسبب ما ارتكبه من جرئم وانتهاكات، ولم يعد يرى الجسد الإنساني إلّا قطعاً وأشلاء من اللحم النيّئ، ورأى أنّ العقائد والأيديولوجيات تتبنّى جميعها فكرة قتل الإنسان، وذهابه إلى التلاشي والفناء كنهاية لوجوده المُزري.

رسم فرانسيس بيكون وجوهاً معذّبة تكتسيها ملامح وتعبيرات غامضة بأسلوب يهدم كلّ تقاليد البورتريه في الفن المعاصر، وظلّت تعبّر عن حالة الضياع والتيه التي عاشها طوال حياته، حيث شخصياته تسكن العزلة والألم في عالم مهدّد بالانهيار.
 

المساهمون