رسم سيغموند فرويد في العديد من كتاباته في التحليل النفسي تشبيهاً بين عمل عالم الآثار وعمل المحلل النفسي؛ من خلال بحثهما في القطع الأثرية المدفونة والمدن المخفية التي تحاكي الذكريات والأوهام المنسية لدى الإنسان.
واستناداً إلى مجموعته الأثرية التي تجاوزت الألفين وخمسمئة قطعة من الحضارات المصرية واليونانية والصينية بشكل أساسي، استكشف الطبيب النمساوي (1856 – 1939) العديد من مقارباته وطرق العلاج النفسي، ومنها محاولاته لفهم الغموض والمنطقة المظلمة في النفس البشرية وانعكاساتها في الأحلام.
"العصور القديمة عند فرويد: الكائن، الفكرة، الرغبة" عنوان المعرض الذي يفتتح السبت، الخامس والعشرين من الشهر الجاري، في "متحف فرويد" بلندن، ويتواصل حتى السادس عشر من تموز/ يوليو المقبل، ويضيء ملاحظاته حول الآثار التي بدأ جمعها عام 1896 واستمر في دراسته لها حتى نهاية حياته.
تتسرّب هذه الملاحظات في دراساته منذ كتابه "دراسات حول الهستيريا" (1896) إلى عمله الأخير "موسى والتوحيد" (1939)، حيث انشغل بفهم ذلك الارتباط بين الدافع الحيوي (الليبدو) وبين التعلّق بأشياء بعينها أو أشخاص محددين.
ويشير بيان المنّظّمين إلى أن تنظيرات فرويد بوصفه جامعاً للآثار تشكّل موضوعاً أساسياً للمعرض، في سعي لتقديم مصدر ثري ومهم في مأسسة نظرياته كان قد تمّ إهماله لفترة طويلة، وكيف نظَر إلى التحليل النفسي كشكل من أشكال الذاكرة الثقافية وارتباطات البشر الجماعية بمخزونهم الحضاري، والدور الذي لعبه كوسيط بين العلم الحديث والتقاليد القديمة.
يحتوي المعرض على خمس وعشرين قطعة أثرية من مجموعة فرويد وأوراق دراسية حولها، إذ اهتم صاحب "تفسير الأحلام" بالتناظر بين تطوّر الحضارات وتطور النفس الفردية، واستطاع أن يصل إلى خلاصات متقدمة عبر إثارة ردود فعل مرضاه الذين كانوا يستريحون على الأريكة الشهيرة القريبة في غرفته الصغيرة نحو رموز عديدة في الحضارات القديمة، لتفسير اضطرابات نفسية تتصل بصورة الأب والعاطفة والجنس وغيرها.
تشكّل الآثار التي تنتمي إلى الحضارة المصرية حوالي نصف المجموعة، وفيها درس ظهور التوحيد الذي أرجعه إلى الجريمة الأولى التاريخ البشري، وهي جريمة قتل الأب البدائي على يد أبنائه الطامعين في نسائه وسلطته، كما شكّلت الإلهة المصرية موت (أو موط وتعني الأم) مصدراً أساسياً لأفكاره حول الهوية الجنسية والإبداعية للفنان، إضافة إلى ملاحظاته حول هاجس الموت الذي هيمن على المعتقدات المصرية القديمة وتطوّرها في جميع الحضارات حول العالم التي تأثّرت بها.