لطالما أُهملت حضارات الأميركتيين القديمة لأسباب عدة، في مقدّمتها تأخر الكتابة والتدوين لدى معظم شعوبها مقارنة بشعوب العالم القديم، والتغييب الذي مارسه المستعمر الأوروبي منذ وصول الإسبان إلى القارة، وسعيه لإحلال لغته ومعتقداته وثقافته محل الثقافة الأصلية.
في "معرض فن البحر" التبادلات الفنية في البحر الكاريبي" الذي يتواصل في "متحف المتروبوليتان للفنون" بنيويورك حتى السابع والعشرين من حزيران/ يونيو المقبل، يشاهد الزوّار مقتنيات تغطي مئات السنين من إرث الدول التي تطلّ على الكاريبي ومنها كوبا وجامايكا وهايتي وغرينادا والدومينيكان وغيرها.
تُعرض العديد من القطع الفنية ومنها تمثال خشبي داكلن اللون لرجل أسنانه مطعّمة بالبياض ينتمي إلى حضارة تاينو التي تنسب إلى شعوب تحمل الاسم نفسه، تقترب حضارتهم من حضارة السكّان الأصليين في أميركا الوسطى، واستمرت حتى القرن السادس عشر حيث تعرضوّا إلى الإبادة والاستعباد ضمن ظروف قاسية أدّت إلى وفاة قبائل عديدة منهم، إلى جانب الزواج المختلط قسراً ما أنتج أجيالاً بملامح مختلفة.
يقدّم المنظّمون عشرات العناصر التي تنتمي إلى التراث المادي لشعوب تاينو، الذين لم تكن لديهم لغة مكتوبة، في محاولة لرسم صورة اوضح عن حضارتهم وتعبيراتهم الفنية، ومنها التماثيل الخشبية وأوانٍ فخرارية تعود إلى القرنين الثالث والرابع بعد الميلاد، كما توجد سفينة تم العثور عليها في سواحل بنما صنّعت خلال القرن الخامس الميلادي، مغطاة بلسلة رسومات نقشت بشكل أفقي تبدو منمّقة ومعاصرة وتشبه رسوماً عبّرت عن اتجاهات فوضوية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
إلى جانب قلادات ذهبية على شكل نسور، وأدوات مصنّعة من الحجر الأخضر والصدف والعظام والذهب، والتي تُعرض في ثلاثة أقسام، هي: الطقوس المتوارثة، والاحتفاليات، والسلطة السياسية، ومنها تمثال للإله زيمي من القرن العاشر الميلادي، وارتباطها مع جذور أفريقية حيث تتشابه في العديد من الأساطير والتقاليد.
يضيء المعرض انعكاسات حضارات الكاريبي على تجارب فناني المنطقة في العصر الحديث، حيث تُعرض لوحة قماشية كبيرة ذات ألوانية ترابية للفنان الكوبي ذو الأصول الأفرو-صينية ويفريدو لام (1902 -1982) تحمل عنوان "قرقرة الأرض" نفّذها عام 1950، وتتكون من طيور وخفافيش فوق خلفية سوداء بنية، وهي تشير إلى الخطر الذي يأتي من سكين حاد تمسكه إحدى هذه المخلوقات.