لا يُذكَر الشاعر والنّاقد الفلسطيني خالد علي مصطفى (1939 - 2019) من دون أن يُشار إلى عراقيَّته التي لازمته منذ طفولته؛ حيث وصل إلى البصرة قادماً من قرية عين غزال القريبة من حيفا بعد نكبة 1948، وبدأ هناك دراسته، وصولاً إلى المرحلة الثانويّة، قبل أن يُغادر البصرة إلى بغداد.
وإذا كان الأثر الذي تركه صاحب "البصرة - حيفا" (1975) بارزاً في الثقافة العراقية، فإن الراحل لم يعرّف نفسه يوماً بمعزل عن هويته الفلسطينية، بل ظلّ يذكّر بانتمائه الفلسطيني ويتوقّف عنده وعند قضيّة شعبه في العديد من أعماله والمحافل التي جمعته بكتّاب وأدباء عراقيّين.
في إطار الاحتفاء باليوم الثقافي الفلسطيني (الذي يصادف الثالث عشر من آذار/ مارس كلَّ عام)، أقامت السفارة الفلسطينيّة في بغداد، يوم الإثنين المنقضي، 20 آذار/ مارس الجاري، أمسيةً بمشاركة مثقّفين عراقيّين، إلى جانب عائلته، لتوجيه تحيّة إلى الشاعر الذي رحل عام 2019 في أحد مستشفيات بغداد.
شهدت الجلسة قراءة حول حياته وأعماله قدّمها رئيس "الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين" علي حسن الفوّاز، فيما قدَّم الناقد والأكاديمي جاسم محمد جسّام شهادة شخصيّة عن علاقته بالشاعر والناقد الراحل ودوره في الحركة التعليميّة والثقافيّة.
وقال الفوّاز: "إنَّ الحديث عن الثقافة الفلسطينيّة، والحديث عن رمزٍ من رموزها، هو الحديث عمّا تحمله هذه الثقافة من همٍّ إنسانيٍّ وما تُثيره من أسئلةٍ تتعلَّقُ بأهمّية الفعاليّة الثقافيّة بمواجهة التحدّيات الكبرى، إنْ كانت هذه التحديات سياسيّة أو اجتماعيّة أو أمنية، وحتّى ثقافية أيضاً، لأنَّ الثقافة اليوم هي عنصر مهمّ في بناء الوعي، وفي بناء المواجهة وفي تأسيس عناصر القوّة الأخلاقية التي نواجه بها مظاهر الاستبداد والظلم".
وأضاف: "أعتقد أن الشاعر الراحل خالد علي مصطفى كان واحداً من الرموز والشهود الذين عاشوا محنة القضيّة الفلسطينيّة والفَقد الفلسطيني، وأيضاً عاش لذَّة الوعي داخل البيئة العراقيّة التي كانت حاضنةً للفلسطينيّين، وكانت عامل دفعٍ كي يسهموا مع إخوتهم العراقيين في بناء فضاء ثقافيٍّ عربيّ".
من جهته، أشار الناقد والأكاديمي جاسم محمد جسّام إلى أهمّية الراحل ودوره في تجديد بنية القصيدة الحديثة، حيث قال: "نستذكر الشاعر والنّاقد والصحافي العربي العراقي الفلسطيني، الذي تعلّمنا منه معنى القراءة الواعية وتعلَّمنا منه رُوحَ الكِتابة التي بها تصبح مبدعاً مُتميِّزاً وباحثاً جاداً".
وأضاف: "أتحدَّثُ عن مصطفى كشاعرٍ حمل لواء التجديد؛ من خلال دخوله لمناطق جديدة لِلّغة وإنزالها من سماء الرَّوحانيات إلى أرض الواقع، أرض المُهَمَّشين والمَغلوبين، وكذلك نحا منحىً لغويّاً يَستدرِجُ فيه القارئ للمشارَكةِ في النصّ، وجعله يشعر بأنَّ الرؤيا الشعريّة لَديه تتكشّفُ وتُفصح بصفاتها عن شفافيةٍ عاليةٍ للّغة، بمعنى أنَّه يرى الأشياء كما هي، ويقولها شعراً، على حدِّ تعبير الشاعر الفرنسي بول كلوديل؛ ويختار المفردات بالغة التأثير. كما أنَّه يعتمد على الجُمَل المتوتِّرَة التي تَصبُّ كلّها في اتجاهٍ جَماليّ وفكريّ واحد، فجاءت نصوصه زاخرةً بالمعاني العميقة التي تتماثل مع فِكره الإنساني، جاعلاً لغته منصفة للواقعيّة".
عُرف خالد علي مصطفى كشاعرٍ في الأوساط الثقافيّة مع إصداره أوَّل أعماله الشعريّة؛ "موتى على لائحة الانتظار" (1969)، ليُتبعه بـ"سفر الينابيع" (1973)، ثم "البصرة - حيفا" (1975) الذي مازج فيه بين مدينته الأُولى وموطنه الجديد في العراق، حيث استعاد علاقته بهاتين المَدينتين من خلال الهويّة والانتماء والبُعد الثقافي والروحي والمكاني.
وبتوالي إصداراته الشعريّة، صار لمصطفى حضوره في المَشهد الثقافي العراقيّ، وتَرسخّ ذلك الحضور أكثر حينما دخل عالم التدريس في "الجامعة المستنصريّة" ببغداد، بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في الأدب، وبقي مدرِّساً فيها حتى سنواتهِ الأخيرة، ليتخرَّج على يديه عشرات الطلبة. كما أنه عمل في الصحافة الثقافيّة، كتابةً وتحريراً، وانضمّ عضواً إلى "الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العراقيين" وإلى "نقابة الصحافيين العراقيّين".
ويُشار إلى أنَّ الراحل كان قد وقَّع مع كلِّ من الشعراء سامي مهدي وفاضل العزاوي وفوزي كريم "البيان الشعري"، والذي أثار بصدوره عام 1969 ضجّةً في الأوساط الثقافية آنذاك، وقد عاد إلى هذا الإصدار، بعد سنوات طويلة، في كتابه النقدي "شعراء البيان الشعري" (2015).
إلى جانب أعماله الشعرية، مثل "المعلقة الفلسطينية" (1989)، و"سورة الحب" (1980)، و"غزل في الجحيم" (1993)، أصدر خالد علي مصطفى العديد من الكتب النقديّة؛ مثل "الشعر الفلسطيني المعاصر" (1979)، و"الشعر الفلسطيني الحديث" (1986)، و"شاعر من فلسطين: مطلق عبد الخالق" (1988)، كما حرّر كتاب "من نصوص السيّاب الأدبية المترجَمة" (2011) الذي ضمّ فيه مجموعة من القصائد التي ترجمها الشاعر العراقي (1926 - 1964) لعدد من الشعراء الغربيّين.