1
لا هُوية خاصة للمقهى أو البار أو المطعم
اسمه مفتوحٌ على زاوية الهُجْنة: "راي"، "راي"؟
لا يهمّ، ليس هو القصّة.
القصّة أنه تحت النبتة الخضراء التي تُظلِّلُ رَفَّ كتبٍ عشوائياً
عثرتُ على كتاب "شعراء فلسطين في القرن العشرين":
شعراء ومتردِّيات ونطائح وما أكَل السَّبع،
لم يُبقِ المؤلّفُ صاحبَ قافية إلا وحشره بين دفّتَي الكِتاب.
وبينما رحتُ أَقرأ حيناً وأُقلّب الصفحات أحياناً مِثْلَ مَنْ يَتَجوَّلُ في مدينةٍ ماتَ جميعُ سكّانها وبقيت بُيوتُهُم مفتوحة:
غابةٌ من الأثاث القديم متروكة في الشوارع
رسائلُ ودموع وورود ناشفة في الكتب
ملابس أنيقة بلا ورثة
قوافٍ من خَشَب
وأُخرى من لحم ودم تَنْبِضُ كأنها قُلوب
إلى أن وصلتُ إلى اسمك: محمد الأسعد (1944 - ...) وتحته قصيدتان يغبِّشُهما مطرٌ خفيف. في الأُولى كان المساءُ حديقتين نستفيق فيهما بلا بَلَد، وفي الثانية تقول إنك سمعتَ في مطارٍ بعيد رنينَ غِناءٍ يُرَجِّعُهُ البَحْر،
في حين أنني أسمعُ الآن رنين بكاءٍ يُرَجِّعُهُ البَحْرُ القريب
عموماً، أنت أدرى بالمطر
هذا مطرك الخفيف
وأنا أنتظره وأنتظرك
في هذا المقهى.
2
ثم خُيِّلَ إلي أنك سرعان ما نهضت من رمل الصليبخات
نفضتَ عنك الرمل وقلت:
لم أستطع أن أموت ههنا
صنعتَ من كفنك عباءةً مثل عباءات الطوارق
وانطلقت بخطواتٍ أسرع من الريح
وقطعتَ حُدوداً وراءَ حُدودِ
وراءَ حُدود
ووصلتَ إلى "هنا"
يا ويلتي لقد وصلت إلى حيفا
حينَ كنتُ مسافراً
كيف أعثرُ عليك الآن؟
3
وإذا كان هناك بالفعل مدنٌ غير مرئية
فلا بد أن نكون نحنُ
سُكّانها...؟
لا المستعمِرون وإرهابيو السَّفارات
والقراصنةُ على الحدود
ولا جندرمةُ الذاكرة
بإمكانهم أن يعثروا علينا
نحن
أطفالها اللّامرئيون.