استمع إلى الملخص
- أديب فرحات جمع أكثر من خمسة آلاف قطعة أرشيفية، ويعرض منها 23 قطعة كرمز لعدد سنوات الاحتلال. كل قطعة ترتبط بتسجيل صوتي يمكن الاستماع إليه عبر المسح الرقمي، بهدف الحفاظ على الذاكرة الجماعية للجنوبيين.
- فرحات يواجه تحديات في نشر الأرشيف كاملاً بسبب الحاجة لفريق عمل كبير، لكنه يقدم الأرشيف مجاناً للباحثين. يعرض قطعاً نادرة ويروي قصصاً مروّعة من مجازر ومعتقلات الاحتلال، مستمدًا قوته من ثقة الناس به واستقلاليته.
في السادس عشر من الشهر الجاري، افتُتح في "ملتقى السفير" بـ بيروت، معرض "قصص من الجنوب"، ويتواصل حتى السادس والعشرين منه، وقد تزامن اليوم التالي للافتتاح مع هجمة إرهاب صهيوني بدأت بـ"تفجيرات البيجرز"، يومَي الثلاثاء والأربعاء الماضيَين، ثم بتكثيف الغارات على الجنوب والتي لم تتوقّف إلى الآن.
بذا، يكون زائر المعرض أمام طبعات من الإرهاب الإسرائيلي، ففي الداخل لدينا وثائق ومعروضات جمعها المُصوّر والمخرج أديب فرحات (1989)، ويُوثّق من خلالها ثلاثة وعشرين عاماً من الاحتلال لجنوب لبنان، وفي الخارج تعجّ شوارع العاصمة بسيّارات الإسعاف التي تنقل جرحى العدوان الذين غصّت بهم المستشفيات، ومن بينهم أطفال ونساء ومدنيّون.
المعرض عبارة عن مبادرة فردية، كما تحدّث أديب فرحات لـ"العربي الجديد": "لرصد فترة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان (1978 - 2000)، ويضمّ أرشيفي الشخصي أكثر من خمسة آلاف قطعة، ولكن المعرض يقتصر على 23 منها، كرمز على عدد سنوات الاحتلال، وكلّ قطعة هنا يرتبط بها تسجيلٌ صوتيّ يُمكن الاستماع إليه من خلال المسح الرقمي. والهدف هو الحفاظ على الذاكرة الجماعية للجنوبيّين، وحفظ ما أمكن منها. طفولتي كلّها كانت مرتبطة بما عانيناه من الاحتلال، في مجازر 'قانا' و'النبطية' وغيرهما، وقصص مروّعة من معتقلَي 'الخيَام' و'أنصار'".
عملي غير مُموّل ونقطة القوّة فيه أنّ الناس يفتحون لي بيوتهم
ويعرض فرحات بعض ما عنده، مثل نمرة سيّارة تابعة لمليشيا كانت مرتبطة بالاحتلال، في حين أنّ التسجيل المرفق بجوارها قصة من "معتقل الخيام" في يوم التحرير بـ25 أيار/ مايو 2000. وعلى الطاولة صندوق من مخلّفات ذخيرة جيش الاحتلال تركها خلفه، وكلّ هذه القطع جمعها فرحات منذ عام 2000، منذ كان عمره أحد عشر عاماً.
يُتابع المصوّر اللبناني حديثه إلى "العربي الجديد": "جَمْعُ الأرشيف هو شغفي الخاص، ويتوزّع بين بيروت وقريتي الجنوبية عربصاليم. وهو متاح بشكل مجاني لأي باحث، ولكن لا إمكانية عندي لنشره كاملاً اليوم لأنّه يتطلّب فريقاً كبيراً يعمل عليه، فمثلاً أجريت مؤخّراً مسحاً ضوئياً لأكثر من 1300 جريدة ومجلّة بمفردي، وقمتُ بتقسيمها حسب المواضيع المتعلّقة والأعوام".
ويستطرد راوياً قصة بعض المعروضات؛ جهاز لاسلكي لإحدى المُقاوِمات في "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" (جمول)، ومنشور نادر من "نداء الجنوب" يعود لعام 1984، يعلو الزاوية اليُمنى منه شعار الشيوعية "يا عُمّال العالم اتّحدوا"، وعدد آخر من "النداء" حول قلعة الشقيف التي كانت أبرز معاقل المقاومة، ومكتوبٌ خطَّه أسير من المقاومة الإسلامية، وهو في "معتقل أنصار" عام 1985، قبل أن يُنقلَ إلى "معتقل عتليت" داخل فلسطين المحتلّة.
كما يتضمّن المعرض عدد جريدة "السفير" في 24 أيار/ مايو 2000، بعنوان عريض: "الجنوب يُحرّر الوطن"، وفي ذلك العدد يتحدّث الصحافي حسين أيوب عن عودته إلى قريته عيناتا الجنوبية بعد ثماني عشرة سنة لم يتمكّن خلالها من زيارتها.
يقف المُخرج اللبناني عند لعبة على هيئة أرنب مرفقة ببنطلون وصورة لفتى في الخامسة من عمره اسمُه أحمد مقلّد، قتلته "إسرائيل" في يوم عيد ميلاده عام 1999، حين كان ذاهباً للّعب في أحد الحقول فانفجر فيه جسم غريب على هيئة كُرة من مخلّفات جيش الاحتلال، وما زال والداه يحتفظان بثيابه وألعابه إلى اليوم.
ويُشير فرحات في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى التحدّيات التي واجهته في عمله: "عند بداية مشروع تسجيل القصص قبل عام كنتُ أظنّ أنني أستطيع أن أقوم بأكثر من تسجيل خلال اليوم الواحد، وأني سأُنجزها بشكل سريع، ولكن بعد أول تسجيل بقيت أياماً حتى استوعبت ما سمعت لشدّة فظاعته، فقد لامسني إنسانياً، وأخذ منّي وقتاً حتى استجمعتُ قواي لأُسجّل مرّة ثانية، نحن نتكلّم عن أُناس خسروا أعزّ ذويهم، وناجين من مجازر مروّعة ما زالت تتكرّر في يومنا هذا". ويختم: "عملي غير مُموّل، ونقطة القوّة فيه أنّ الناس يثقون بي ويفتحون لي بيوتهم للتسجيل، الاستقلالية تُعطيني مساحة لأتحرّك بين الناس".