تقف هذه الزاوية مع كاتب من العالم في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه. "ما أرجو تغييره هو العلاقة بالسُّلطة، وذلك حتى لا نكون ضحايا لها"، يقول الشاعر الإيطالي في لقائه مع "العربي الجديد".
■ كيف تقدّم المشهد الأدبي والثقافي في بلدك لقارئ لا يعرفه؟
- المشهد الأدبي في إيطاليا يتمتّع بالكثير من الحيويّة، ومن يهوى القراءة لا يمكن له سوى أن يكون سعيداً بذلك.
■ كيف تُقدّم عملك لقارئ جديد، وبأيّ كتاب لك تنصحه أن يبدأ؟
- يدور عالمي الشعري حول فكرة استنطاق الوجود والغموض الذي يلفّه، في كتابَيّ Anuda وDarkana، حاولتُ الاشتغال على اكتشاف هذا الغموض الذي تجسَّد في العَملين.
■ ما السؤال الذي يشغلك هذه الأيام؟
- في هذه الأيّام، لا يُمكننا سوى التفكير في الحرب ووحشيّتها.
يدور عالمي الشعري حول استنطاق الوجود والغموض الذي يلفّه
■ ما أكثر ما تُحبّه في الثقافة التي تنتمي إليها، وما هو أكثر ما تتمنّى تغييره فيها؟
- ما أُحبّه في الثقافة التي أنتمي لها هو التطلُّع نحو الحرية. ما أرجو تغييره هو العلاقة بالسُّلطة، وذلك حتى لا نكون يوماً ضحايا لها.
■ لو قُيِّض لك البدء من جديد، أيّ مسار كنت ستختار؟
- بعد التفكير مليّاً في الأمر، لا أعتقد بأنّني كنت لأغيّر أيّ شيء. أعتقد بأنّني كنت لأسلك ذات المسار، لكن ربّما بأريحية أكبر.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
- أتمنّى لو أتمكّن من تغيير طريقتنا في النظر إلى الآخر على نحو جذري، وننظر إليه بمحبّة. أتمنّى ألّا نرى في هذا الآخر خصماً أو شخصاً نخشاه أو يستحقّ أن نعتديَ عليه.
■ شخصية من الماضي تودّ لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
- كنتُ لألتقي بسرور كبير تشي غيفارا الذي طالما أحببته لإنسانيّته وشجاعته.
■ ما هو، في اعتقادك، أكبر خطر على حرّية الكاتب والكتابة في العالم اليوم؟
- أعتقد أنّ التحدّي الأكبر هو أن نكون أصيلين بعمق.
■ ما هي قضيّتك، وهل يمكن أن تكون الكتابة قضية بذاتها؟
- من خلال كتاباتي، أسعى لتجسيد مسار رجلٍ يحاول اكتشاف الوجود. يعنيني التنقيب في الاختبار الغامض لمعنى الحياة.
في هذه الأيام لا يمكننا سوى التفكير في الحرب ووحشيتها
■ الأدب العالمي يكتبه المترجمون، إلى أيّ درجة توافق على هذه المقولة، وإلى أي درجة كتبك المترجمون؟
- أتّفق مع هذا القول لكوني أعتبر مترجماً أيضاً كلَّ من يكتب داخل لغته. العالَم الذي نغرف منه بكلماتنا هو عالم غير مكتوب، لذا يتعيّن علينا ترجمته باستمرار.
■ كيف تصف علاقتك مع اللغة التي تكتب بها؟
- أحبّ اللغة الإيطالية، هي لغة أثق بها وأأتمن نفسي عليها. كما أحبُّ أيضاً الكتابة بلهجتي المحلية "الإيولية" [لهجة الأرخبيل الإيولي الذي تنتمي له جزيرة ليباري الواقعة قبالة الساحل الشمالي لجزيرة صقلية - المترجمة].
■ كاتب منسيّ من لغتك تودّ أن يقرأه العالم؟
- أرجو ألّا ننسى بعض الروائع الشعرية لـ كورادو غوفوني Corrado Govoni.
■ لو بقي إنتاجك بعد 1000 سنة، كيف تحبّ أن تكون صورتك عند قرّائك؟
- أتمنّى أن يجري تذكُّري كعابر سبيل كان مدفوعاً بالفضول نحو العالم.
■ كلمة صغيرة شخصية لقارئ عربي يقرأ أعمالك اليوم؟
- ببساطة، أرجو لهم قراءة ماتعة.
■ ■ ■
وجهي الطّافي من زمن آخر
دافيدي كورتيزي
ترجمة عن الإيطالية: أمل بوشارب
أتقدّم
داخل مدفنِ عظام الملائكة،
أمدُّ وسط الظلمة
جوف راحتَيّ
متوسّلاً بذرة ضوء من الظهيرة
في اليوم المشؤوم لزفاف إبليس
ألمح
بين أكاليل "رعي الحمام"
الجَمالَ المبرّح
لعروسه الطّفلة.
■
والآن أشعر بخطواتٍ مرهَقة لمن
عاد ببطء عند الغسق من محاجر "حَجَر الخُفاف"
وسَلّم للمساء النقاء المنبهر
ببياض الجبل الجريح.
شَعرٌ أغبرُ يَعجّ أفكاراً.
تُبرّحها الذنوبُ هي تلك الفِقرات
التي تحمل على ظهرها القمر.
■
وأنتِ تبحرين وسط ظلمتي
تُخرسين داخلك الأغنية التليدة.
تُجدّفين في حلمي بك.
تشقّين بحري السرّي
في فجرعينَيّ المأساوي.
تخطّين محيط وجهي
وتحطّين على فمي.
أشعر بك بين شفتيّ
تحترقين كاسم ممنوع،
ككلمة خفيّة
يتسمّم بغموضها كلُّ شيء.
■
والآن أَنشد تعلُّم الغفران
من الأرض التي تُهدي النورَ جُرحَها
دون أن تخشى شيئاً
كما تفعل أصغر زهرة.
والآن أَنشد أن أُشبه قليلاً السماء
التي ترحّب بتحليق الصقر والذبابة
وتحفظ السرّ الألفيّ للفراشة.
أَنشد أن أُمطر وأصنع قوس قزح.
أَنشد أن أتعلّم من الريح
كيف تمرّ بين البشر دون أن تؤذي أحداً
كما تفعل مع أغصان اللّوز.
أَنشد أن أقوى دوماً
على النظر في عيون الناس
وأن أرى في مقلة من أخاف
محبّةً تسير على سطح خوفي
كإله.
أنشد أن أكون قادراً على الابتسام في الليل
وأُلبس آذانَ الموت حبّات الكرز
كما لو كانت أقراطاً.
■
ثمّة وجه لي في مكان آخر
يطفو فوق الماء
ويغدو جزيرة.
إنَّه غيض من فيض
دفَنته الهاوية.
ثمّة جزيرة غامضة في مكان آخر
ليست سوى وجهي
الطافي
من زمن آخر.
■
أنا رجل عتيق
أنتمي إلى سلالةِ
مَن هم بحاجةٍ إلى الحبّ
لديّ مخاوف تنام كالدّمى
بعيون مشرّعة.
أعرف كيف أُقيم داخل حضن.
أعرف أنّ أوّل نفس يولد من ملاك
وآخر نفس يلد شيطاناً.
أعرف أنّ الأرض
هي سماء الموتى.
■
يداي موشومتان منذ قرون
على صدر بحّار شاب من لشبونة.
(كانتا تقبضان على غمد سيف).
وقد حدث بالفعل
أن كنتُ بطل أُغنيةَ عجوزٍ من بغداد
حين أعطيتكِ للتوّ قُبلة
ونحن نقول لبعضنا: "أنتِ شيطانتي"،
"شيطاني هو أنت".
شخص ما عرفني بالفعل
في حفلة تنكّرية في درسدن
عام 1723.
■
أحياناً أقوم بتمشيطه
ذاك الحزن المكابر.
ألفُّ على رقبتي سلاسلَ
صمتٍ وحشيٍ.
"آسف أمي". أقولها بالإنكليزية
كلُّ حلم لي له لبدة أسد.
"هذه أرض مجهولة"،
عبارة أوشمها على قلبي.
النار ترتعش، لكن ليس أنا.
"آسف أمّي". أقول بالإنكليزية
أتحدّث لغة الظلمة.
الظُّلمة هي اللغة الحيّة.
أنا هو الشيطان، أخشى ذلك.
أنا النار، لكنّني لا أرتعش.
"آسف أمّي". مجدَّداً بالإنكليزية
أنا قوي عندما أُخطئ.
أنا طفل شقيّ
أنا الشيطان.
أقولها بلغة الإنكليز.
بلغة الفرنسيس.
أنا إبليس
أنا الحيّ.
■
الخسارة ليست لعبة تحبّينها.
بنظرة واحدة عابسة
ينحني المساء لإرادتك.
تمسكين النور من مؤخّرة عنقه
وتقبّلينه بشفاه متوثِّبة.
في عروقك تسري شمسٌ
لا تعرفها إمبراطورية الظلمة.
تسرّين لي بطالعك الغامض
عندما تنفخين على وجهي كلمة.
وتبتسمين بحنان
مخفّفة قبضتك على الألم.
■
نحن نولَد متّشحين بدم الأمهات.
نرتدي لون موت الشمس.
نمدّ إصبعنا على الفور
بخاتم داخل جذع الشجر
ونتزوّج الزمن.
بطاقة
Davide Cortese شاعر وكاتب وسيناريست إيطالي من مواليد عام 1974 في جزيرة ليباري. خرّيج "الأدب المعاصر" من "جامعة ميسينا". من إصداراته الشعرية: Anuda عام 2011، وDarkana عام 2017، وZebù bambino عام 2021. كما صدرت له كتب روائية وقصصية. حصل عام 2015 على جائزة Don Luigi Di Liegro الدولية للشعر، وحاز عدّة جوائز عن فيلمه القصير Mahara. القصائد المترجمة هنا مقتطفة من مجموعتَيه Lettere da Eldorado، وDarkana.