هذه السيّدة التي خرجت لتغطّي حدثاً وتعود بقصة، صارت هي الحدث، وصارت هي القصة. هذه السيدة التي لا أعرفها، لكن وجهها وضحكتها وبسمتها صارت اليوم أقرب من أقربائي، تعيد بموتها كل الآلام وكل الذين قُتلوا من قبل من أجل قضية.
هذا الموت العلني الذي سيمرّ ككلّ موت وككلّ قتل من قبل مرّ دون حساب، ودون جزاء، هذا القتل العلني الذي أردى شيرين أبو عاقلة في غبار معركة غير متكافئة، بين طرفين كُتب عنهما كل ما كُتب في الشعر والأدب والسياسة، ولم تغير الكلمات ما كُتب؛ يموت الناس في الشوارع، تُقتل المراسلات علناً، وتُغتال الصحافيات أمام الكاميرات، ولا جزاء منتظر أو حساب قريباً، هذا القتل العلني يذكّرني بما يجري على أرض فلسطين منذ عقود، من قتل لا ينتهي، بواسطة طرف يعرف أن لا نهاية لتجبره وتسلطه ولا سقف لجرائمه.
شيرين التي خرجت أمس صباحاً من منزلها، وبعد ذلك بسويعات تصدرت صورتها، بسمتها، كلماتها، نشرات الأخبار، مواقع الصحف، وصفحات السوشيال ميديا، تصدرت ضحكاتها، صارت هي القصة، وصار موتها شارة الدم الحمراء على الجباه الآثمة المجرمة، التي لا تعبأ، وتدرك أن جريمتها ستمر ككل جريمة.
شيرين التي قُتلت غيلة وغدراً، لم تحمها سواتر الصحافة من الرصاص ومن عين القناصة، لم تحمها الخوذة المكتوب عليها "Press"، ولم تحمها هويتها الصحافية المشهرة، ولم يحمها رداؤها الصحافي المميز.
يفجر هذا القتل إشكالية استهداف الصحافيين في مواقع الاشتباك الحية، مَن يحمي الصحافيين من الاغتيال خلال التغطيات الحية؟ إلى أي مدى تنجح دعوات المؤسسات الصحافية الكبرى في مقاضاة الدول المحتلة؟ من يقتصّ لشيرين أبو عاقلة؟ مؤسسة صحافية ما؟ أم عدالة السماء؟ ومتى تأتي هذه الأخيرة؟