استمع إلى الملخص
- تظهر التحديات اليومية والصراعات الداخلية والخارجية من خلال التحضير للزفاف والخلافات حول مكان الحفل، معكسة الحياة تحت الاحتلال والنقاشات حول الهوية والانتماء في فلسطين.
- يبرز النص الأمل والإصرار على الحياة كموضوع محوري، مع تأكيد على قوة الحب والأمل في تحقيق السعادة والاستقرار رغم الظروف القاهرة، مقدمًا رسالة عن الصمود والتحدي.
عمري قبل ثلاثة أشهر ثلاثون عاماً. اليوم أتممتُ الخمسين، وهذا رقم قياسي. أدري ذلك وأُدركه، لكن لا تقلق، أنا من مدينة العمارات الإسمنتية الشاهقة، لكنّني لا أجد مساحةً مُعلّقة أُريح فيها مُؤخّرتي من عناء الوقوف والحركة المستمرّة. بعد شهر من الآن موعد زواجي من الفتاة التي أُحببتُها، من المفترض أن أفرح، أعرف هذا، حتى وإن لم يظهر عليَّ، إلّا أنّني أحاول بكُلّ ما أوتيت من وقت وطاقة وجُهد.
لا شيء يحول بيني وبين أن أفرح، لا شيء، أعرف هذا جيّداً، لكنّني لا أجد مساحةً لا تستنزف جيبي وتُريح قلبي، وهذا غير مُهمّ طالما أنّ صديقي فقد منزله في غزّة بسبب القصف. ها أنا أخوض بالمشاعر والشعارات، أخرَس ههه؟ أوكي، سأعود إلى موضوعي.. رأسي مُثقَل يا رجُل، أيّ عُرس سأقيمه؟ كم من حبيبةٍ فقدَت حبيبها وكم من زوج فقدَ زوجته؟ كم من طموح وأحلام بأُسرة سعيدة شُطبت من السجلّ المدني؟ هذا كُلّه لا يهمّ. متشائم، صحيح؟ هل بقي معنىً للحياة أصلاً؟ بتّ أشعر أنّ التزاماتنا كُلّها ورطة، ورطة لكسب مزيد من الوقت في تجنّب الحقيقة، أو قُل هروب، قفزة بلا مظلّة، لمواراة الواقع وعدم مواجهته أو تحمّل مسؤولياتنا تجاهه. نحن على قائمة المُبادين، ولكن، من يكترث! سيحين دورنا في أيّة لحظة.
■ ■ ■
- هل ستُقيم العُرس في رام الله أم في بيت لحم؟ بالله عليك دعنا نُقيمه في رام الله.
- يا حبيبتي إن أقمته في رام الله أطلقتِ النار عليّ، لن أُطيق استفزاز الجنود لنا على حاجز "الكونتينر" وأنتِ بفُستان الزفاف.
- يا سلام، على أساس أنّني لن أمرّ في نهاية المطاف عبره.
- أن نمرّ في الذهاب إلى العرس أهون من المرور عائدين، ثُمّ إنّ معارفي وجيراني وأصدقاء أبي في بيت لحم.
- أنت مراوغ، عائلتك الكبيرة في نابلس، ورام الله أقرب إليهم، ثمّ مَن سيحضر زفافي؟ أجِبني! وأنت تعرف أنّ أقرب صديقتي لن تحضر على أيّ حال بسبب استشهاد شقيقها! تُريد أن تحرمني حضور أقاربي!
■ ■ ■
خلافاتنا بسيطة، لكنّها في عُمق عُقَدِنا الكُبرى، أنام تحت أسنان المُنشار، وأواجه النشر بأضلعي العارية. كُلّما مشيتُ خطوة في الترتيب لعُرسي فقدتُ ساقاً، كُلّما بحثتُ عن منزلٍ فقدتُه، أمشي بعرجة نازحٍ لطّخه زيت المركبات والنوم تحتها.
اليوم أمطرت السماء، رفعتُ عيني وابيضّت من الشمس، لا غيم في السماء، هل تُمطر الشمس؟ بالطبع لا، فلا غيم في السماء، لكنّني أشعر بالمطر. ثمّة أشياء يا صاحبي أشعر بها وأراها، لن تدركها أنت، حتّى وإن أشرتُ إليها بسبّابتي هذه.
بالأمس، حدث حوار أقرب ما يكون إلى مشهد في مسلسل "التغريبة"، تطرحُ عليّ خطيبتي حلّاً لمسألة السكن: "ليش ما تجي تسكن برام الله، هُناك مَن سيساعدنا في ذلك"، أجيبها بعد زفير: "لا.. أرفض المُساعدة". "يا سائد رام الله أحلا". "افهمي مشان الله، أنا لاجئ للمرّة الألف، ثمّ أجيبيني، هل كُتب عليّ اللجوء كلّما كوّنتُ علاقةً مع مكانٍ ما، مع أُناس وأصدقاء؟!"، صمتَت هي، وتحوّل غضبي إلى حُزن بطريقة لا آلفُها.
* كاتب وصانع بودكاست من فلسطين