هنري ماتيس
لقد عرفت الفرح الحقيقي الذي يبقينا معتنقين للألم والوقت
وحظيت بالمذاق الناري لِليلة حبّ
وبرائحة ألوان الزيت
رسمت ضلوعها الفضية بيد مراهقٍ خجول ضعيف
وهي تمرّر أصابعها في شعرها بحركات ناعمة
وتحدّق في المرآة خلفها.
انتقلت من الفن كورقة نعوة إلى أخرى تعبّر عن صدمة الواقع
على طبيعتي الداخلية بفضائها المُنَوِّم من صعود وسقوط
الفن الذي يُترجم المشاعر إلى عدد لا يحصى من الشارات الجديدة والانفجارات اللونية.
لم أرسم الأشياء بالضوء،
فقط الفروق بين الأشياء
الجلد الرقيق والصافي الذي يربط قلبي بقلب العالم الفاني إلى ما لا نهاية
والأحداث التي ترتقب ساعة لمِّ الشمل السرية مع المنظر
مظهر رائحة قرص العسل ورحلة الكندور المحلقة
النظرة المستعادة التي تعيد كتابة الحياة على القماش من خلال الهلوسة والمعاناة
الشخص الذي يبحث عن معنى أعمق في اللاإحساس بالعالم
عندما تداعب في المنام قطّة صفراء سمكة حمراء بمخالبها في الحوض.
حاولت أن أرى نفسي بنفس الفضول والانفتاح
الحب الأصلي والسذاجة التي بها درست شجرة أو فكرة السماء
بعد أن وضعتْ والدتي علبة من الفرش والألوان في يدي وأنا في سن العشرين
الرسم يعني أن تنسى كل أفكارك ونظرياتك أمام الواقع المزخرف
لتنحت بالحبّ والشجاعة طريق الروح المنصهرة في بركان العالم
للبحث في التسلسل الهرمي المرئي وغير المرئي عن حبوب اللّقاح التي تولّد الضوء
لرسم وردة عليك أن تنسى كلّ الورود المرسومة على الإطلاق
أجادَ تشاردين، فان جوخ، ديرين، وبيكاسو تعريفي بنفسي
وفن التقاط القصص غير المرئية بمرآة روح الطفل
الكلام الذي يرى ملوناً إلى أعماق الأكوان السيامية الصامتة
كنا في شبابنا "مفترسين" للنور المطلق والجمال
"الوحوش البرية" يصطادها هواة جمع الأعمال الفنية الجشعين وغريبي الأطوار
عندما ترسم تتماهى في كلّ مكان مع الفرح أو المعاناة
أجمل قصة حبّ لا تملك حنان الفرشاة.
في السنوات الأخيرة، اكتشفت العالم بداخلي وأنا بجوار ليديا
وقمت بقصِّ الورق الملوّن بالمقص على كرسي متحرّك
لكنّني بقيت على حالي في الألم والفرح الموشومين بوحشية في روحي
بألوان أفريقيا وشبكة عناكب الأماكن التي أحرقتها بالكامل
أماكن حقيقية أو خيالية تنبض إلى الأبد في لوحاتي
حتى ولدت الرغوة من الصدام بين الحياة وحياة الفن
لتدمل جرحي النازفة بعالم أنقى من الغيب.
(سوتشافا، 27 إبريل 2021)
■ ■ ■
فرانسيس بيكون
رَسمَتُكَ سِكّينٌ حادّة
تَلمعُ بقايا اللحمِ وَقطراتُ الدّمِ على نَصلِها اللامِع
هكذا قُلتَ لي بقسوَة أمامَ نادي الغولف الكولوني
دونَما أدنى فكرة أنّها قد تكونُ الاستعارة المثاليّة
عن العالمِ العنيفِ القاسي الذي خلقته لنفسي.
رسمتُ صرخة أبعَدَ مِنَ الرعبِ المُلهِم
بعد أن اعتدتُ المُقامَرة بالحقائقِ الوحشيّة على طاولة الروليت.
بدأتُ مُغامَرَة العَبَث بأقداري في السّادسَة عشرة
بَعدَ أن طَرَدَني والدَي بسبب مُيولي.
في لندن مارستُ الهوى المأجور مع من يَكبُرونَني سِناً
سَرَقتُ الطعامَ وعِدّة قَناني من ويسكي بيل
وَكثيراً ما كسرتُ صنادِيقَ المغفرة في الكنائِس.
وَسرعان ما اكتشفت الفن أثناء مشاهدة فيلم The Potemkin Cruiser
ساعَة لمحتُ وجهَ المُمرِّضَة الثّمِلَة صارِخاً مُلَطَّخاً بالدّماءِ.
بالنسبة لي الصورة هي نوع من الترنّح على الأسلاك
بين ما نسميه الرسم التصويري والتجريد
يبدو أنه ناتج مباشرة من التجريد ولكن لا علاقة له به
إنها محاولة لتوصيل المجاز بالجهاز العصبي
بطريقة أكثر عنفاً وشدة
اندلع فنّي بصرخات بكماء وألوان برّاقة كما في مآسي إسخيلوس
وَلوحات فلاسكيز المُخدِّرة وشعر تي إس إليوت
كانت حياتي حادثة حميمية وماسوشية مستغرقة بأكملها في الفن
مثل ملمَس جلد الذين أحببتهم على ظهري
الذين بالإمكان العثور عليهم في الآلاف من الرسمات المقطوعة أو المتكدسة
لقد حذرتك عندما ننظر إلى شيء لا ننظر إليه فقط
لكننا نبصره في ضوء الاعتداء الذي تعرضت له صورنا وأفلامنا
لقد لفتني نقاء الصورة عدة مرات فقط
في النظرة الدنيوية الأخرى للحياة البرية الأفريقية
رأيت وجه الإنسان بِعينَي الصراخ المروّعتَين
تفاصيل التشوهات من خلال المعاناة
زوابع اللحم والحلم في مشيمة المادة
لقد دفعت مقابل كل النجاحات العظيمة من خلال موت أحبائي
جبال من الذهب حفرتها عجلة الروليت وأطنان من الويسكي
ومع ذلك، تبعتني إغراءات إسخيليوس إلى عالم البلّور
بعدما حولوا قلبي إلى حفنة من الرماد.
(سوتشافا، 1 أغسطس 2020)
* ترجمة: مريم جنجلو
بطاقة
Constantin Severin شاعر ورسّام روماني من مواليد 1952. يُعدّ مؤسّس حركة التعبيرية النموذجية، وهي حركة فنية عالمية أسّسها عام 2001، وتدعو إلى استكشاف القديم والخالد من خلال الذاكرة الجماعية. أصدر أكثر من عشرة كتب بين الشعر والمقالات والقصص. تُرجمت كتبه الشعرية ونشرت في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا ومقدونيا والهند. القصائد التالية مترجمة من كتابه "حيوات الفنانين".