"صوتٌ شاعري مُميَّز يُضفي بجماله المجرَّد طابعاً عالمياً على الوجود الفردي". هكذا وصفت "الأكاديمية السويدية المَلكية للعلوم"، قبل ثلاث سنوات من اليوم، الشاعرةَ الأميركية لويز غلوك، التي رحلت عن عالمنا أمس الجمعة في مدينة كامبريدج بولاية ماساتشوستس متأثّرةً بمرض السرطان، في بيانها الذي أعلنت فيه منحَها "جائزة نوبل للأدب" عام 2020.
كان فوزاً مُفاجئاً؛ إذ لم يكُن اسمُ غلوك (1943 - 2023) مُدرَجاً ضمن قائمة التخمينات والتوقُّعات التي تنطلق قبل أسابيع من موعد إعلان الجائزة، وكان مِن بين الأسماء المتداوَلة في تلك السنة - كما في سنوات أُخرى - الفرنسيُّ من أصل تشيكي ميلان كونديرا، والياباني هاروكي موراكامي، والكيني نغوغي وا ثيونغو، والغوادلوبية ماريز كوندي، والكندية مارغريت أتوود وأسماء أُخرى.
تمثّلت المفاجأة أيضاً في ذهاب الجائزة الأدبية العالمية إلى صوتٍ شعري في "زمن الرواية"؛ حتّى أنّ التوقُّعات كانت مُنحصرةً تقريباً في الأصوات السردية. لكنّ، وعلى خلاف ذلك، قرّرت "نوبل" العودة إلى الشعر بعد أكثر من عقد؛ إذ كان آخرُ شاعر فاز بها هو السويدي توماس ترونسترومر عام 2011.
وقد عبّرت غلوك، التي أصبحت أوّل أميركية تفوز بالجائزة منذ أن عادت إلى الروائية الأميركية الأفريقية توني موريسون عام 1993، عن ردّة فعلها حين أُبلغت بخبر فوزها: "أُصبت بالذعر في البداية، ثُمّ اعتقدت أنّني أهلوس. ولكن بعد ذلك شعرتُ بفخر شديد".
وقبل "نوبل"، فازت بالعديد من الجوائز الأدبية البارزة؛ مثل: "جائزة دائرة نقّاد الكُتَّاب الوطنية" (1985)، و"بوليتزر" (1993)، و"لانان الأدبية للشعر" (1999)، و"بولينغن" (2001)، و"ميدالية العلوم الإنسانية الوطنية الأميركية" (2000)، و"جائزة غريفين للشعر" (2009)، و"جائزة الكتاب الوطني" (2014)، كما حملت لقب "شاعرة الولايات المتّحدة الأميركية المتوَّجة" بين سنتَي 2003 و2004.
وُلدت لويز غلوك في نيويورك لأسرة مُهاجرة من المجر، ونشأت في لونغ آيلند. وفي مراهقتها، أُصيبت بمرض فقدان الشهية العصبي الذي أجبرها على تلقّي العلاج لسنوات طويلة؛ وهو ما سيترك أثره بشكل واضح في تجربتها الشعرية. وبسبب وضعها الصحّي، لم تتمكّن من التسجيل في الجامعة بدوام كلّي، وكان بديلُها في ذلك أخذُ دروس في الشعر في "كلّية سارة لورانس"، ثمّ في "جامعة كولومبيا" بين 1963 و1965.
كانت غلوك في أواخر العشرينيات حين أصدرت مجموعتها الشعرية الأُولى عام 1968 بعنوان "البكر"، والتي تلتها أكثر من اثني عشرة مجموعةً؛ من بينها: "البيت في مارشلاند" (1975)، و"الحديقة" (1976)، و"وجهٌ يدنو" (1980)، و"انتصار أخيل" (1985)، و"أرارات" (1990)، و"القزحية المتوحّشة" (1992)، و"المروج" (1997)، و"الحياة الجديدة" (1999)، و"العصور السبعة" (2001)، و"أفيرنو" (2006)، إضافةً إلى كُتب نقدية عن الشعر.
غلبت على شعر لويز غلوك ثيمات الحزن والعزلة والصدمة والموت والرفض وفشل العلاقات الإنسانية ومحاولات الشفاء والرغبة والطبيعة، ضمن قصائد هي مزيجٌ من السيرة الذاتية والأسطورة؛ إذ وظّفت في كثير من نصوصها الأساطير اليونانية، وخصوصاً شخصياتها النسوية، وأيضاً الأحداث التي عاشتها؛ وهو ما جعلها تُوصَف بـ"شاعرة سيرتها الذاتية".