لا تكترث لينيت يادوم بواكي لأية خصوصية في رسم شخصياتها ذات الأصول الأفريقية، فهم ليسوا نشطاء اجتماعيين أو حقوقيين إنما هم غالباً في حالات مألوفة إلى حد الغرابة؛ يبتسمون ويدخنون ويسترخون بالقرب من الشاطئ أو يمارسون الحياة بأفعالها البسيطة، وكأنهم يؤكدون وجودهم في كلّ مكان وسياق اجتماعي.
تعتقد الفنانة الغانيّة-البريطانية (1977) أن أبطالها السود هم خارج أية كوابيس أو تخيّلات تحاول تنميطهم، وأن الأدوار التاريخية التي وضعهم فيها الفن الغربي بوصفهم خدَما أو عاملين في الأرض أو موظفين مرافقين لسيّد أبيض لا تعنيها مطلقاً، وفي الوقت نفسه فإنها تعيد النظر في فن البورتريه والرسم بالزيت بشكل جذري على نحو مبتكر تماماً.
حتى السادس والعشرين من شباط/ فبراير المقبل، يتواصل في "متحف تيت" بلندن معرض بواكي بعنوان "يصل الدوري مع الليل" الذي افتتح في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، ويضمّ مختارات من مجمل أعمالها التي قدّمتها مع مطلع الألفية الثالثة.
يوضّح بيان المنظّمين بأن الكتابة تعدّ أمراً أساسياً في تجربة الفنانة التي تقول "أكتب عن الأشياء التي لا يمكنني رسمها ورسم الأشياء التي لا يمكنني الكتابة عنها"، لذلك تقترن لوحاتها بعناوين شعرية تعود إلى قصائد ونصوص شعرية تكتبها بالتوازي.
لا يمكن تحديد زمن تعيشه شخصيات بواكي في اللوحة، فهي تبدو أحياناً قادمة من عصور كلاسيكية بينما تعبّر في أحيان أخرى عن كآبة الإنسان المعاصر في القرن الحادي والعشرين، كما أنها تذكّر بأعمال الفنان البلجيكي رينيه ماغريت، ليس لسرياليته، ولكن للغرابة التي تسكن لوحاتها والتي تزيد كلما يحدق المرء في تفاصيلها.
في ثمانين لوحة زيتية يضمّها المعرض، وبعضها أنجزته الفنانة في العام الجاري؛ تقدم السود في حالات الكسل والراحة والتأمل واللهو والتمتع بالحياة، بأجساد جميلة وقوية، هناك راقصة البالية وراقصة الجمباز والقارئ ولاعبو كرة القدم والمراهقون في لهوهم والأصدقاء يدرسون.
وتؤكد بواكي في مقابلة صحافية سابقة أنها لم تشعر قط بالحاجة إلى شرح وجود أبطالها السود في اللوحة، أكثر مما شعرت بالحاجة إلى شرح تواجدها في العالم، فعلى الرغم من أنه كثيراً ما يطلب منها ذلك إلا أنها لم تحب قط أن يتم إخبارها من تكون، وكيف يجب أن تتحدث، وماذا تفكر وكيف تفكر فيه، وأنها لم تكن بحاجة لإخبارها بذلك أبداً، فهي تتمثل ذلك عبر أجيال من عائلتها وتعرف بدقة من هو الأفريقي.
توحي لنا بواكي أنها ترسم مجموعة بورتريهات لشخصيات تعرفها، لكنها تعلن أن كل شخصياتها خيالية، وهذا الإيحاء بأنها ترسم من الواقع مقصود، والإيهام بأن هؤلاء البشر واقعيون هو جزء من الإشكالية التي تطرحها على المتلقي، فما هو الواقعي وما هو الخيالي في الفن؟ سؤال يشغلها على ما يبدو، ويمكن أن نضيف إليه أسئلة الهوية والتمثيل والانتماء إلى ثقافة ما، والاندماج في حياة مختلفة، نجد لها أعمالاً بعناوين تدفع بها المتفرج إلى الارتباك، مثل "هذا ليس بورتريه".