"عشان كوبري، يتهدّ متحف فنّان بقيمة والدي"، بهذه العبارة استنكرت سارة درويش، ابنة النحّات والخزّاف المصري الراحل نبيل درويش (1936 - 2002)، القرار الفُجائي الذي أعلنت عنه، على إحدى القنوات التلفزيونية، وزيرة الثقافة المصرية نيفين الكيلاني، والقاضي بإزالة المتحف الواقع على الطريق إلى شبرامنت في محافظة الجيزة (غرب القاهرة)، ونقل محتوياته إلى "متحف الحضارة".
كان تصريح الوزيرة مطلع الشهر الماضي، إلّا أنّ الإجراءات على أرض الميدان في الأسابيع اللاحقة، خاصة بعد أن أُوكل إلى "هيئة المساحة" "الكشف على الموقع" وتحديده طوبوغرافياً، بدت كأنّها تمضي قدُماً بالقرار الحُكومي، عدا عن أنّها تذكّر بعلامة "الإكس" الشهيرة التي باتت إيذاناً بتخريب وتجريف المعالم الأثرية في البلاد، كما سبق أن هدّدت مدفن طه حسين.
يعود بناء المتحف إلى عام 1983، لكنّ كل هذه السنوات وقيمتها التراثية لا تعني شيئاً للجهات الحكومية التي تطوّق المعالم التراثية والثقافية لصالح التوغّل الإسمنتي. على العكس تماماً؛ يبدو أنّ الحقّ هو على مؤسّس المتحف الذي لم يكن ليقدّر حالة "النهضة العمرانية" التي ستحوّل مصر إلى "بلد من كباري" (جسور)، كما بات يتردّد في الشارع المصري بسُخرية مريرة من العبث التخطيطي الذي لا يراعي الإرث المعماري واحتياجات المجتمع.
يضم المتحف قرابة أربعة آلاف قطعة خزفية ويعود بناؤه إلى عام 1983
لا تقتصر المشكلة على المتحف، فهو متّصل أيضاً بمنزل الفنان المكوّن من طابقين، ورغم أنّ موظّفي المساحة، حين أجروا عملية المسح، قيّدوا إلى جانب ذلك كُلّاً من محتويات المنزل والمتحف، وأبلغوا أرملة التشكيلي بأنّ ما يقومون به من أجل تعيين "مقابل تعويضي" ترصده الوزارة، فهذا إن ذكّر بشيء، فإنما بالبلاغات والإخطارات التي هجّرت أهالي جزيرة الورّاق النيلية، وحوّلتهم إلى مشرّدين بوجه الزحف الإسمنتي لأبراج مملوكة من شركات أجنبية.
الجدير بالذكر أن إجراءات توسيع الطريق حول ترعة المريوطية قد لا تقتصر على "متحف درويش"، بل هناك تخوّفات في المستقبل القريب من أن تمتدّ يدُ الجسور الخرسانية إلى متاحف مجاورة مثل "متحف آدم حنين"، و"متحف زكريا الخناني" للزجاج، وقرية الحرانية.
صحيح أنّ قرار الإخلاء لم تتسلّمه العائلة بعد، إلّا أن تراتبية الأحداث ومماطلة الجهات الحكومية بالردّ على استفسارات المالكين، وعدم إشهارها لأية نيّة أو غاية أُجريت عمليَّتا المسح وضبط المقتنيات، كلّ ما سبق لا يبشّر بخير، ولا يشي بأنّ خطوات جدّية قد تُتّخذ في سبيل منع هذا القرار. بالمقابل، صدرت دعوات رافضة المساس بالمتحف ومقتنياته وجّهها مثقّفون وفنّانون، وآخرها كان البيان الذي وقعّته، بتاريخ الرابع من الشهر الجاري، مجموعةٌ حملت اسم "الخزّافين العرب".
يُشار إلى أنّ المتحف يضمّ قرابة أربعة آلاف قطعة، ويمتدّ على مساحة ألف متر مربّع، وإلى جانب المشغولات التي قدّمها التشكيلي الراحل، يحتوي أيضاً على الأدوات التي جعلت المَعْلم هو الأوّل من نوعه في مصر؛ مثل: الدولاب والفرن الحراري المُخصّص للتعامُل مع الخزف، فضلاً عن أوراق وأبحاث هي جزء من إسهامات نبيل درويش في نظرية الفن وتاريخه.