لم يقتصر التضامن العالمي، وفي بلد مثل تركيا، على الوقفات الاحتجاجية والمسيرات المناهضة للعدوان العسكري الذي يقوم بها العدوّ الصهيوني على قطاع غزّة المحاصر، بل يمكن رصد تضامن ثقافي واسع من قبل المثقّفين الأتراك، تمثّل في تحويل هذه المحنة التي يعيشها الشعب الفلسطيني إلى فرصة تكشف للعالم ثراء الثقافة الفلسطينية، آدابها وفنونها. في مشهد المجلات الأدبية التركية التي تفاعلت مع أحداث القضية الفلسطينية منذ بدء العدوان وخصصت لها ملاحق وأعداد، يبرز العدد الخاصّ الذي أصدرته مجلّة "Yeni e"، التي يقوم على تحريرها أسماء تركية بارزة في الثقافة والأدب والفنّ.
وقد نظّم القائمون على المجلّة مؤخراً ندوةً في مسرح "موضا" بـ حي كاديكوي الآسيوي في إسطنبول للحديث عن هذا العدد الخاصّ، وهو الثامن والسبعون من أعدادها، بحضور كتّاب شاركوا في كتابته، وانضمّ إليهم كُتّاب وشعراء أتراك لقراءة مختارات من النصوص المنشورة. وفي خضمّ القليل والكثير الذي قيل ويُقال عن القضية الفلسطينية، قرّرت المجلّة أن تقدّم للمجتمع التركي القضية الفلسطينية، ولكن على طريقتها هذه المرّة، فجاء عددها الخاص لشهرَي شباط/ فبرير وآذار/ مارس -المؤلَّف من 113 صفحة من القطع الكبير- بعنوان "النضال الثقافي لفلسطين".
وارتأى العدد أن يُعرّف بالنضال الثقافي الفلسطيني الخفيّ في خضمّ ما يعيشه المثقّف الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال والإبادة، فالنضال الثقافي لا يقلّ أهمّية عن النضال السياسي والعسكري في نظر المجلّة، والتضحياتُ التي قدّمها وما زال يقدّمها المثقّفون الفلسطينيون في مجالات الثقافة والفنّ والأدب، وما يتفرّع عن ذلك من سينما ومسرح وشعر وموسيقى، تُظهر أنّ صواريخ الاحتلال يمكنها أن تهدم البيوت، لكنّها لن تستطيع يوماً إيقاف حضارة فلسطين التي تمتد لآلاف السنين.
نضالٌ ثقافي لا يقلّ أهمّية عن النضال السياسي والعسكري
مجموعة من النصوص الممتعة والمثيرة، كتبتها نخبة من المثقّفين الأتراك، واشترك فيها بعض الكتّاب الفلسطينيّين عبر ترجمة مقالاتهم إلى التركية، طرحت مواضيع عن النضال الثقافي الفلسطيني، بالإضافة إلى أنّها - وكما تؤكّد المجلّة - كشفت زيف ادعاءات الغرب تجاه القضية الفلسطينية.
"تاريخ أوّله حجارة وآخره حجارة"، هو العنوان الذي اختاره آيدن تشابوكتشو لمقاله الذي تحدّث فيه عن النضال التاريخي للفلسطينيّين ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، والمراحل التي مرّ بها الشعب الفلسطيني في تكوين هويته القومية والسياسية. فالقضية الفلسطينية خرجت من نضالها العربي والإسلامي، بعد الخذلان الذي تعرّضت له منهما، وبدأت تأخذ مساراً في تكوين الهوية الفلسطينية التي رأت أنّها مرهونة بتكاتف فلسطيني داخلي، يبحث في أساسياته عن الحقّ والعدالة.
تهاوي أساطير الليبرالية الغربية
ازدواج المعايير الغربية، والادعاءات المزيّفة في الدفاع عن العدالة وحقوق الإنسان من قبل الغرب، مواضيع طرحها سليم سازار في مقالته "الحرب على غزّة وانعدام الخارطة الفكرية للغرب"، فألمانيا، طليعة الاتحاد الأوروبي والتي طالما تغنّت بهذه المفاهيم، كانت أوّل المعارضين للدعوى التي تقدّمت بها جنوب أفريقيا ضدّ جرائم الإبادة التي ارتكبتها "إسرائيل" في "محكمة العدل الدولية". أمّا الموقف الذي تبنّاه الاتحاد الأوروبي فكان ضدّ القضية الفلسطينية أيضاً، باعتبار أنّ الاحتلال يفعل ما يفعله في إطار "الدفاع عن النفس" لا أكثر! ولم يكن موقف الولايات المتّحدة مختلفاً، فهي تكتفي بإيماءات تتحدّث عن "أزمة إنسانية"، وبالنسبة إليها، أيُّ صوت يُجرّم الاحتلال وينبري للدفاع عن الفلسطينيّين هو صوت "معاد للسامية" بلا شك. وكلّ هذا الدعم للاحتلال يرجع لأسباب سياسية واقتصادية وثقافية وتاريخية، تهدف في نهايتها للحفاظ على أمن وسلامة كيان الاحتلال، وترفض كلَّ المحاولات الرامية لزعزعة هذا الاستقرار.
وفي مقالته التي حملت عنوان "فلسطين وأساطير حرّية الليبرالية"، لم يُخفِ إمرة تانسو كتن امتعاضه من الليبرالية الزائفة التي طالما تغنّى بها الغرب؛ فالدول الغربية التي طالما رفعت شعارات الحرية والديمقراطية، باتت أقنعتها تسقط منذ بداية الحرب على غزّة، والغرب لا يألو جهداً في أن يدوس كلّ الحريات التي تتعلّق بالتعبير عن الرأي والصحافة وحتى الحرية الأكاديمية، عبر مؤسّساته الرسمية أو عبر "المجتمع المدني"، إذا كان الأمر متعلّقاً بمصالح "إسرائيل" السياسية والاقتصادية.
بدوره، أظهر زكي جوشكون التسمّم الأخلاقي والأكاديمي الذي وصل إليه المسؤولون وأصحاب رؤوس الأموال في التهديدات التي وجّهوها لأكاديميّين وفنّانين غربيّين، لم يُبدوا دعمهم العلني للقضية الفلسطينية، بل اتّهموا بـ"معاداة السامية" لأنّهم لم يقفوا بشكل علني مع "إسرائيل". وقد أيّد زكي وجهة نظره تلك في مقالته "فلسطين وامتحان عالم الفنّ والأكاديمية" بالحديث عن تهديد داعمين بسحبهم مئة مليون دولار أميركي من هباتهم لـ"جامعة بنسلفانيا" في حال لم يُقدّم رؤساء الجامعة استقالاتهم، بعد أن اتّهموهم بأنّهم لم يعاقبوا الطلّاب الذين رفعوا شعارات "من النهر حتى البحر" و"الانتفاضة"، كما أنّ "جامعة هارفارد" العريقة لم تسلم بدورها، فقد تعرّضت رئيستها كلودين غاي لضغوطات شديدة حول تعاملها مع "خطاب معاداة السامية" في الجامعات الأميركية، بسبب اعتبار كلودين غاي أنّ تلك المظاهرات الأكاديمية والطلّابية الكبيرة المؤيّدة للفلسطينيّين ضدّ "إسرائيل" داخل الحرم الجامعي تدخل ضمن نطاق حرية التعبير. والأمثلة على ذلك في العالم الغربي تطول.
منعطفات الأدب الفلسطيني
محمد حقّي صوتشين، الأكاديمي والمترجم التركي البارز، عمل في مقالته "المنعطفات في الأدب الفلسطيني"، على تقديم لوحة فسيفسائية مليئة بالجمال والنضال للأدب الفلسطيني في ظلّ عقود من مواجهة الاحتلال، فقدّم المراحل التاريخية للأدب الفلسطيني المُعاصر، شرح فيها التطوّر الذي حصل في الأدب الفلسطيني، وما أفرزه من نتاج أدبي يحاكي الشعور الفلسطيني في معاناته ونضاله، وآماله في مرحلة قادمة.
بدأ صوتشين بالحديث عن السنوات التي شكّلت الهوية الفلسطينية، والتي كانت، بطبيعة الحال، امتداداً للهوية العربية، فانطلاقاً من تشكُّل الدولة القومية وتصاعُد الشعور القومي في ظلّ التيارات الحديثة وبداية شكل جديد من نظام الحُكم في العالم العربي بعد انهيار الدولة العثمانية، كان هناك تياران أدبيان قد بدآ بالظهور في الساحة الأدبية، هُما الكلاسيكية الجديدة والرومانسية، ويمثّلهما أحمد شوقي ومحمود سامي البارودي في الأوّل، وأدباء المهجر في الثاني، فكان للشعراء الفلسطينيّين أيضا دور في هذين التيارين، فإبراهيم طوقان وعبد الكريم الكرمي كانوا من أبرز أسماء التيار الأوّل، فيما كان مطلق عبد الخالق الذي كان "يهمس الشعر"، من التيار الرومانسي. وهذه المرحلة التي استمرّت حتى الأربعينيات كانت نهايتها تؤذن بنقطة تحوُّل في الأدب الفلسطيني، نحو مواجهة كيان محتلّ في طور الإنشاء، في أرض يدّعي أنّ أهلها وسكّانها المحلّيّين "مهاجرون عرب" لا أكثر.
لوحة فسيفسائية عن الأدب الفلسطيني خلال عقود من الاحتلال
هكذا- يواصل محمد حقّي صوتشين - فإنّ المرحلة التي بدأت مع النكبة الفلسطينية عام 1948، جعل النمط الشعري التقليدي يتمزّق أمام الرومانسية، والشعراء الذين اضطرّوا لترك فلسطين المحتلة كانوا من أكثر الأدباء الذين تجرّأوا على الخروج عن الشعر التقليدي، فشعر التفعيلة وقصيدة النثر كانا نمطين جديدين على الشعر العربي، كما أنّ شعراء الداخل الفلسطيني مرّوا بمرحلة من الصدمة الحداثية ليبدأوا بدورهم في الانخراط في هذا التيار، وليُصَدِّر الداخل الفلسطيني الكثير من الأدباء الذين يحملون هذا اللون. ففي حين كان عبد الكريم الكرمي ينشد الشعر أمام الجموع بصوت جهوري، كانت فدوى طوقان، "أُم الشعر الفلسطيني" كما كان محمود درويش يلقّبها، تدعم صوت المرأة الفلسطينية، لتأخذ مكانها كأحد أقوى الأصوات في الأدب الفلسطيني، فيما كان جبرا إبراهيم جبرا وتوفيق الصايغ من مؤسّسي حركة الشعر الحديث في الأدب العربي، بالإضافة إلى الأصوات التي كان لها صداها القوي في العالم العربي وفي العالم، مثل توفيق زياد، ومحمود درويش، وسميح القاسم.
يسرد صوتشين، بعد ذلك، أمثلةً عن الأدب الفلسطيني، وعن أهمّ روّاده في مرحلة ما بعد النكبة، وعن الحالة الروحية التي انعكست على الأدب حتى مرحلة اتفاق أوسلو، والذي عاد الأدب ليُشكّل مرحلة انعطاف جديدة بعده، فقد اتّسمت هذه المرحلة بالثورة الأدبية على الخيانة الداخلية، كما شكّل الغضب وخيبة الأمل أهمّ مواضيع هذه المرحلة.
ولا ينسى صوتشين في النهاية أن يُعرّج على الأدب الفلسطيني في الشارع التركي، وكيف أخذت كُتُب هذا الأدب مكاناً في رفوف مكتبة القارئ التركي، ذاكراً أهمّ الترجمات التي أغنى بها المترجمون الأتراك المكتبة التركية بها.
وقد فضّل علي تشاكماك الحديث عن أدب غسّان كنفاني ودوره الكبير في النضال الفلسطيني، في مقالته "غسان كنفاني وأدب النضال"، فقد ترك بصمة بارزة في أدب النضال الفلسطيني من خلال أعماله التي تعكس الواقع المزري الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني، فظروف الحياة التي مرّ بها كنفاني في ظلّ الاحتلال البريطاني أوّلاً والصهيوني الإسرائيلي ثانياً، وحياته في أرض اللجوء جعلت منه أحد روّاد أدب النضال، كما أنّ أعماله التي كانت تتنوّع بين تناول قضايا اللجوء والنزوح، والنضال الشعبي، عكست نظرته النضالية ووهبه حياته لقضيته العادلة، والتي ترجمها في أعماله الأدبية ومشاركاته السياسية.
في الكلمات، لا في القبور
في الحوار المطوّل الذي أجرته هيئة تحرير المجلة مع الزميل الشاعر الفلسطيني نجوان درويش، بعنوان "فليبحثوا عنّا في الكلمات، لا في القبور"، خاض المحاورون في فلسفة الهوية الشعرية لدى الشاعر، والذي يقول، في إجابته عن سؤال حول التنوُّع الثقافي والحضاري الذي تحمله أشعاره، أنه ينبع من التنوّع الثقافي والحضاري الذي تمثله فلسطين، متطرقاً إلى معاني العروبة الحضارية والهوية الثقافية العربية والتي يعتبرها الأكثر انفتاحاً بين ثقافات العالم.
يوضّح نجوان درويش أنّه ينتمي إلى هويات متعدّدة؛ فهو يكتب بالعربية، إلّا أنّ هويته الشعرية تنتمي إلى الشرق بكل تنوعاته وهوياته الثقافية وما يمثله حضارياً. والشاعر بنظره مثل "أنتين" (لاقط) التلفزيون أو الراديو، يلتقط الإشارات من هنا وهناك، ويختلف عطاؤه باختلاف قوّة التقاطه وقدرته على استقبال أصوات وثقافات وتجارب مختلفة وتحويلها إلى شعر. كما أنّ كلمة "مسافر" التي تعني المنتقل من مكان لآخر في العربية، والضيف في اللغة التركية، هي الكلمة التي يفضلها درويش في تمثيل مكان الشاعر في العالم ومكانه شخصياً.
وفي معرض الحديث عن المظاهرات التي تخرج في أوروبا ضدّ عدوان الاحتلال الإسرائيلي، يعتبر نجوان درويش أنّ الغربيين يقبعون أيضاً تحت الاحتلال، فالسياسيون الغربيون لا يحترمون إرادة شعوبهم، وهي شعوب باتت تحكمها مجموعة رجال أعمال منحطّين.
مُجيباً عن "النضالية" التي يتّسم بها شعره، لم يُخْفِ نجوان درويش أنّ الشعر هو من الإنسان ولأجل الإنسان، فما قيمة شعر إن لم يتحدث عن أرض تتعرض لجرائم الاستعمار أو الطغيان، فالشعر بحسبه ليس ترفيهاً، بل هو أن تكون قريباً من الموت، أن تفنى، وأن تكتب تاريخاً مغيّباً، أن تدخل في تفاصيل ما بين الحياة والموت، فقيمة الشعر تنبع من الدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. وهنا باتت القضية الفلسطينية قضية عالمية، من خلال الوقوف في وجه القاتل ومقاطعته، هذا يشمل الشعوب، أمّا عن المؤسّسات العالمية والحكومات فلم تعُد تمثّل إلّا نفسها، فالأمم المتحدة، مثلاً، منظّمة غبيّة، لا عمل لها إلّا طباعة الورق الذي لم يعُد يحمل أيّة قيمة. ولذا، وفق نجوان درويش، على الشعوب أن تبتكر طرق جديدة في مواجهة أعدائها، على سبيل المثال المقاطعة الاقتصادية، وبوعي، فالمتديّن التركي الذي يدعم القضية الفلسطينية والذي ما زال يأكل "تمر القدس" Kudüs Hurma، عليه أن يعلم أنّ هذا التمر سُرقت أشتال نخلاتُه من العراق بعد الاحتلال الأميركي من قبل "إسرائيل" لتُزرع في أرض فلسطينية مسروقة، وتُصدَّر ثمارها للعالم وتدعم اقتصاد المحتل وتدعم الإبادة. واختُتم الحوار بنشر قصيدة من كتاب "كلام عند مدخل القدس" وهي مختارات شعرية صدرت للزميل نجوان درويش بالتركية مؤخّراً عن دار نشر Ayrıntı Yayınları.
عين على السينما
ويتحدّث رضا أويلوم عن السينما الفلسطينية في مقالته "سينما دولة لا تحمل جواز سفر"، فيذكر بدايةً جهود ميشيل خليفي في السينما الفلسطينية في ثمانينيات القرن الماضي، ويعرّج للحديث عن جهود مي المصري الإخراجية في الحديث عن مآسي المرأة والطفل الفلسطينيّين، بما تحمله من نظرة واقعية وشعرية في أعمالها السينمائية.
ويتطرّق أويلوم إلى المرحلة الجديدة في السينما الفلسطينية في بدايات القرن الحادي والعشرين، والتحدّيات التي واجهها السينمائي الفلسطيني في ظلّ الاحتلال، كما أنّ المهرجانات التي بدأ السينمائي الفلسطيني يعرض فيها أفلامه التي يتحدّث فيها عن قضيته المحقّة، والدعم الذي كان يتلقّاه في تلك المهرجانات شكّلت نقطة جديدة في حياة السينما.
ومن أهمّ نتاجات السينما في هذه المرحلة فيلم "عمر" لهاني أبو أسعد، والذي عُرض في قسم "نظرة ما" في "مهرجان كان السينمائي" عام 2013، وحصد استحساناً كبيراً من النقّاد والجمهور، وهو يروي حكاية شابّ يعمل في مخبز يضطرّ، في سبيل ملاقاة حبيبته نادية، إلى تسلّق الجدار العازل الذي أقامته سلطات الاحتلال في الضفّة الغربية، وذلك قبل أن يعتقله الاحتلال ويعاني عذاباً نفسياً قاسياً.
اغتراب المسرح وإرث ناجي العلي
وتحدّثت كبرى يتر، في مقالتها "المسرح الفلسطيني من الماضي وحتى اليوم"، عن المراحل التي مرّ بها المسرح الفلسطيني، معتبرةً أنّ مسرح فلسطين يحاول البقاء والتطوّر في ظروف صعبة من الماضي إلى الحاضر، وحتى في أصعب الأوقات يسعى لإيجاد مَخرج.
لقد شهد المسرح، وفق يتر، تطوّراً سريعاً نحو السياسة بشكل كبير بعد الاحتلال الإسرائيلي، بينما كان في الأصل فنّاً ترفيهياً للطبقة البرجوازية. واليوم، يمكن العثور على آثار واضحة للمسرح الغربي في المسرح الفلسطيني المُعاصر، حيث كان لأعمال شكسبير وبريخت تأثير كبير عليه، كما كان لإرث "الحكواتي" التاريخي دور كبير في تغيير شكل المسرح.
أمّا المشكلات التي يواجهها مسرح فلسطين اليوم، كما يضيف المقال، فهي الظروف المالية. وقبل كلّ شيء، غياب مؤسّسة رسمية في البلاد لتعليم المسرح؛ فهذه الأنشطة تجري في الغالب من خلال ورش العمل ودوائر الفنون الشعبية. ومعظم هذه المسارح، التي ليس لها دعم مادّي، تحاول جلب التمويل من الخارج، لكنّها تضطرّ إلى معالجة النصوص أو المواضيع التي يحدّدها المانحون للحصول على هذا التمويل. يُظهر ذلك أنّ الحصار الثقافي لا يزال قائماً، وأنّه لا يمكن تحقيق تطوُّر كافٍ داخل البلاد بسبب الظروف الاحتلالية.
وتناول مقالٌ لخليل أبو عرفة وإيزيل روزنتال بعنوان "نظرة على الكاريكاتير الفلسطيني" تجربة ناجي العلي، معتبراً أنّ الفنّان الفلسطيني، الذي اغتيل في لندن عام 1983، مبدع شخصية مهمّة، فهو الرمز البارز لنضال فلسطين ضد الاستعمار الإسرائيلي، ورائد فنّ الكاريكاتير الفلسطيني والأكثر شهرة وتأثيراً. وعلى حدّ تعبير الكاتبَين، يَعتبر كثير من الكاريكاتيريّين العرب، وخاصّة الفلسطينيّين، أنفسهم امتداداً له. ولا يزال هذا الأسلوب مستمرّاً من قبل رسامي الكاريكاتير الفلسطينيّين الحاليّين، بمن في ذلك أمية جحا وآخرون، ليتحدّث عن تجارب بعض فنّاني الكاريكاتكير الفلسطينيّين في هذا الإطار ومنهم خليل أبو عرفة، وعلاء اللقطة، ومحمد سباعنة.
فنانو الجاز ورياضيو الأرض المحتلة
وفي الجانب الموسيقي، تحدّثت نازلي توبراك، في مقالتها "فنانو الجاز الفلسطيني"، عن موسيقي الجاز في فلسطين، قائلةً إنّ العديد من الموسيقيّين الفلسطينيّين يعارضون الصور النمطية التي يفرضها الغرب عليهم كموسيقيّين شرقيّين، مضيفةً أنّ العزف لدى الموسيقيّين الفلسطينيّين لا يعني فقط الظهور على المسرح لعزف الموسيقى، بل يحمل دوماً دافعاً للتعرّف إلى الساحة الدولية، وعرض غنى وعمق الموسيقى الفلسطينيّة، وأنّ فنّاني الجاز الفلسطينيّين يتمتّعون بشغف لا ينتهي بنقل قوّة موسيقاهم إلى العالم؛ فـ"الحرب تُفرّق، والموسيقى تجمع"، وقد وقفت توبراك عند تجارب فلسطينية لافتة مثل ريم كيلاني، ومحمد نجم وناي البرغوثي من الجيل الذي يليها.
وتحدّث خليل بوروج، في مقالته "الفخر والتعاون الفلسطيني هو من نجح في الأولمبياد"، عن التحرّكات الرمزية تاريخياً في مجال الرياضة. واستخدام الرياضيّين الإضرابات للتضامن مع المظلومين، واستغلال الفرصة دائماً للتعبير عن رفضهم، فهو يرى أنّ الأمر لم يكن استثناءً بالنسبة إلى الرياضيّين الفلسطينيّين، الذين يحتجّون على انتقادهم بسبب عدم مصافحتهم الرياضيّين الإسرائيليّين، بدلًا من التركيز على ما يتعرّضون له.
واختتمت المجلة عددها، بترجمات لنصوص فلسطينية إلى اللغة التركية، تنوّعت بين الشعر والقصّة القصيرة والمقالة الأدبية بتوقيع محمّد حقّي صوتشين.