كان الباحث والأكاديمي التونسي المتخصّص في الحضارة العربية محمد الناصر النفزاوي (1948 - 2021) قليل الظهور في وسائل الإعلام، وكأنه لا يحبّ جدالاتها وسجالاتها. حتى على الإنترنت، يقتصر حضوره على بعض المعلومات حول مسيرته المعرفية، وتسجيلٍ لإحدى محاضراته. أمّا صوره، فهي نادرة.
المفارقة أن النفزاوي، الذي رحل عن عالمنا ليلة أمس السبت، كان معروفاً بين طلبته وأصدقائه كأحد أكثر المثقفين اهتماماً بالجدالات التاريخية الكبرى في الثقافة العربية، وأبرزها تلك التي دارت بين الغزالي وابن رشد في العصور القديمة، أو بين وجوه عصر النهضة العربية في أزمنة أقرب.
لعلّ كتابه "الدولة والمجتمع: من محنة ابن رشد إلى خصومة محمد عبده - فرح انطون" (2000) يعبّر عن محاولته هذه في رصد مختلف تجاذبات الحياة الفكرية في الثقافة العربية. ويُحسَب له أنه كان يقدّم قراءات لا تناصر أيّ طرف، بل تقدّم هذه "الخصومات الفكرية" في إطار أوسع، حيث يضيء سياقاتها السياسية والاجتماعية، فتبدو في النهاية إفرازاً ثقافياً طبيعياً تهيّأت له كل الظروف ليكون، حتى ولو كان ذلك تحت أسماء شخصيات أخرى غير التي عرفناه بها.
يمكن اعتبار كتاب "التيّارات الفكريّة السياسية في السلطنة العثمانية (1839 – 1918)" (2001) أشهر أعمال النفزاوي، فقد سدّ هذا العمل - بالفعل - ثغرةً في المكتبة العربية حين قارب المرحلة الأخيرة من العصر العثماني من زاوية فكرية، حيث أظهر كيف تغلغل فكر الغرب، من آدام سميث إلى أفكار القن التاسع عشر، إلى مركز الثقافة الإسلامية وقتها، معتبراً أن الإصلاحات التي عُرفت بـ"التنظيمات" إنما هي تعبيرات عن ذلك.
ومن أعمال الباحث التونسي الأخرى: "محمد كرد علي: المثقف و قضية الولاء السياسي" (1993)، و"فارس وبيزنطة والجزيرة العربية من القرن الثالث إلى القرن السابع" (1996).
وقبل جميع هذه الأعمال صدرت له في 1987 رواية بعنوان "المتشابهون"، وقد أعلن في 2018 عن نيّته تحويلها إلى فيلم سينمائي، لكن هذا الفيلم لم ير النور إلى اليوم. كما ترجم النفزاوي عملاً بعنوان "إدريس، رواية شمال أفريقية" لـ علي الحمامي.