لطالما شكّل اللون مدخلاً أساسياً للوحة محمد عبلة الذي يقيم في جزيرة القرصاية بنهر النيل، حيث يتسّرب تنوّع ألوان الورود والنباتات فيها إلى عمله من جهة، ولا يجد فاصلاً كبيراً بين الطبيعة الهادئة في الجزيرة وبين صخب المدينة التي لا تبعد سوى كيلومترات، فيجد نفسه بين عالمين متداخلين لا فكاك بينهما.
في معرضه الجديد "الصبّار" الذي افتتح في التاسع والعشرين من الشهر الجاري في "معهد غوته" بالقاهرة، ويتواصل حتى الحادي والعشرين من الشهر الجاري، يعود الفنان التشكيلي المصري (1953) إلى النبتة التي ظهرت في لوحات سابقة باعتبارها مفردة أساسية من مفردات مكانه، حيث التقط معاني متناقضة وإيحاءات متنوعة بين القسوة والجمال فيها.
الصبّار الذي كان ينفر منه عبلة في طفولته قبل أن يصبح قريباً خلال عزلته ويتجاور معه طويلاً في فترة انتشار فيروس "كوفيد – 19" العام الماضي، والتي منحته مساحات أكبر لتأمله بتنويعاته المتفردة وأشكاله التي تفرض اختلاف شكلها وتدرّجات لونها.
ويشير عبلة في تصريحات سابقة إلى أنه "تكمن في الصبار نماذج تعبيرية عن العلاقات والنماذج الإنسانية، بعضها يحمل ملامح الجمال والعفوية، وأخرى تعلوها الأشواك والغدر بالآخرين. وبعضها يشع بالأمل والسعادة تماما كطبائع البشر".
وفق هذه الرؤية، نظر الفنان إلى خصوصية النبتة التي تحيل إلى أبرز صور المقاومة والصمود في ظروف قاسية، فهي تدافع عن وجودها بأشواكها البارزة، وبقائها في المكان، بينما يتغيّر العالم حولها باستمرار، ليبدو وكأن الصبّار يعيش عالماً موازياً خاصاً به.
ويبحث عبلة ايضاً عن ذلك الشبه بين الصبّار والإنسان في دورة حياتهما، حيث تنمو زهرة النبات السحرية وتعيش وتختفي في يوم واحد كل عام، وفي الشوك الذي يأخذ لدى الأول وجوداً حقيقياً، بينما يكون مجازياً عند الثاني، وهو يمثّل تلك الحواجز بينهما وبين العالم.
ويستخدم في أعماله ألواناً بدرجات مشرقة، ويحتل فيها ضوء الشمس وأشعتها موقع الصدارة، موظفاً الألوان الزيتية التي تتطلب وقتاً للوصول لمرحلة، وهناك الكثير من الحركة التى تم إنشاؤها من ضربات الفرشاة المتتالية وباقات الصبار النابضة بالحياة فى محادثة مكثفة مع النباتات والزهور الأخرى المحيطة بها.