رحل منذ أيام الشاعر الكردي السوري محمد عفيف الحسيني (1957 – 2022)، المقيم في السويد منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، إثر نوبة قلبية، تاركاً العديد من المجموعات الشعرية، وسيرة ذاتية تتناول حياته في محطّاتها المختلفة وتأمّلاته الفكرية حولها، ومحاولات في السرد.
وُلد الراحل في مدينة عامودا (شمال شرق سورية)؛ المدينة المتعدّدة في الكتابة والدين والذاكرة الشجية للغات، كما يصفها في مقابلة سابقة، حيث وجد نفسه فيها "ملموماً بين شيئين: الكتب والفقر"، ومشدوداً للأدب الحديث وكذلك إلى التراث في مؤلّفات الكتنبي وابن الفارض والكتّاب الأكراد المتصوّفة، وفي مقدّمتهم ملا جزيري (1570 – 1640)، والذي ترك تأثيراً كبيراً على كتابته في ما بعد.
ينتمي الحسيني إلى جيل شعري كتَب قصيدة النثر باللغة العربية حول مأسأة الكرد في لحظة معقّدة من تاريخ هذا الشعب، ولم يكتب بالكردية رغم معرفته العميقة بها، لخوفه أن تأخذه إلى مساحات لا يجيد التعامل معها، وربما كان ذلك دافعاً لإصدار ديوانه الأول بالاشتراك مع أحمد حسيني الذي كتب قصائده بالكردية، بينما كتبها محمد عفيف بالعربية.
في عام 1993، أصدر مجموعته "بحيرة من يديك" التي تضمّنت نصوصاً تحمل غرائيبة نوعاً ما في تراكيب الجمل الشعرية التي لا تترابط في ظاهرها، لكنها تبني نسقاً خاصّاً بها، إذ يدوّن في أحد المقاطع: "أنا الكمنجات الحزينة لك/ في الريح أنحني/ مثلما رجال غائبون/ ترتعش منهم الساعات/ ورائحة أمّي/ كمنجات مكسورة على قبري/ وردٌ ذابل من يديك/ رعاةٌ يراقبون مغيب الشمس/ أصابعهم بالريح/ والموسيقيين وآلاتهم الميّتة/ مثلي".
أصدر بعدها المجموعات الشعرية "الرجال"، و"مجاز غوتنبرغ" و"نديم الوعول"، وكتاب "كولسن"، إلى جانب "جهة الأربعاء: شطحات روائية". كما صدرت أعماله الشعرية مطلع هذا الشهر، عن دار "هُنّ"، تحت عنوان "تحدّث معي قليلاً أيها الغريب".
وفي عام 2020، نشر كتابه السردي "بهارات هندو ـ أوربية"، الذي نثر فيه سيرته الذاتية منذ نشأته في مدينته عامودا، وإقاماته في العديد من الجغرافيا، العربية منها والأوربية؛ والمناخات التي عاشها الكاتب حياتياً وعاطفياً ومشاهدات روحانية يغلب علىيها الطابع التصوّفي المتقشّف.
يشير الكاتب السوري إبراهيم محمود في منشور على صفحته في "فيسبوك" إلى أنه لم يُكتشف رحيل الحسيني إلّا بعد يومين من إصابته بالنوبة القلبية، مضيفاً: "كنت منغمراً بشهوة نص غرائبي من طراز عامودا الغرائبية وشاهدها شرمولا، وشارعك الشعبي المأهول والمنسوج بحكايات وخيالات لطالما أدمنتَه".