استند الفنان المصري محمد مندور (1950) إلى الحرفة بوصفها الفضاء الأساسي الذي تطوّر خلاله الخزف في التاريخ الإسلامي، حيث التحق في سن باكرة بالعمل في معامل الفخار التي تنتشر في منطقة الفسطاط بالقاهرة القديمة، قبل أن يتعلّم فن النحت والسيراميك على يد الفنانين صفية حلمي حسين (1923) ومحمد حسين هجرس (1924 – 2004).
ومنذ السبعينيات، شارك مندور الذي لم يتلق تعليماً أكاديمياً منتظماً في العديد من المعارض الجماعية التي عكست رؤيته والتقنيات المتعددة التي استخدمها، حيث تشكل أعماله نسقاً يؤلّف بين مرجعيات تراثية عديدة، لكنها تتشكّل في فضاء معاصر على الأطباق والأشكال الأسطوانية والأواني.
"ابن الفسطاط" عنوان معرضه الجديد الذي يفتتح عند السادسة من مساء بعد غدٍ الجمعة في "غاليري بيكاسو" بالعاصمة المصرية ويتواصل حتى الرابع من الشهر المقبل، ويضمّ أربعين عملاً تتنوّع في أحجامها وطبيعة الرسومات عليها وتقنيات طلائها.
يمزج مندور بين الأسلوب الفرعوني والإسلامي وبين الحديث معتمداً في لغته التشكيلية على الإناء ذاته دون التركيز على البعد الزخرفي به، في تشكيلات تخرجه عن الأساليب التقليدية عبر طلائه مطلية بأكسيد أبيض ومرسوماً عليها بالأكسيد الأسود، كما يقوم بعملية الحرق في كل مرة لتثبيت الأكسيد ويصل إلى أطياف ملونة على سطح الخزف مثل الرمادي والوردي والأخضر الفاتح والأسود الغامق.
لا تغيب الحروف العربية والنقوش التي رآها الفنان على جدران جامع عمرو بن العاص حيث عاش طفولته بالقرب منه، وكذلك في محاكاته للخزفيات التراثية التي كانت تصمّم لمناسبات مثل طقس "السبوع" والشمعدانات المزركشة وملاحم أبو زيد وعنترة، لكنها باتت تخرج عن وظيفتها النفعية نحو عمل فني مستقل بحدّ ذاته.
تجد النقوش والكتابات التي طُبعت على نحو عفوي وتلقائي تقاطعاتها الواضحة مع اتجاهات عديدة في الفن المعاصر، من حيث تركيزها على الشكل الخالص معتمداً على ثلاثة مصادر أساسية لمفرداته وهي الفواكه والأشجار والإناء والقدور بشكلها المستمد من التراث الإسلامي وأواني التحنيط التي تقترب من الشكل الفرعوني والروماني القديم.