محمود عبد الغني.. حبكة التحليل النفسي بين لاكان وفرويد

14 يناير 2021
سيغموند فرويد على جدارية في مدينة المكسيك (Getty)
+ الخط -

تتطوّر الصناعة المعجمية حول العالم في اتجاهين؛ كمّي يغطّي موضوعات جديدة مع تقدّم التكنولوجيا وتوسّع العلوم الطبيعية والإنسانية في نظرياتها وتجريبها، ونوعيّ يتعلّق بأسلوب التأليف وطبيعة التناول التي تأخذ طابعاً سردياً يبتعد عن الشكل التقليديّ.

ثمّة، في الثقافة العربية، جهودٌ مؤسّسيّة وفرديّة لتجاوز الفجوة الكبيرة في هذا المجال، ومنها صدور "معجم تمهيدي لنظرية التحليل النفسي للأدب" حديثاً (دار خطوط وظلال)، بتوقيع الشاعر والباحث المغربي محمود عبد الغني، الذي يقدّم مادة تشتبك مع حقول معرفية متعدّدة.

يلفت المؤلّف في تقديمه إلى نقاط أساسية، أولّها أن كتابه "معجم، لكنّه حكاية أيضاً"، حيث يسرد المواجهة الساخنة، غير المباشرة، بين جاك لاكان وسيغموند فرويد، بحيث يبدو "تاريخ النظرية يتدفّق في اللسان والأدب". ويتساءل: هل التحليل النفسي ضربٌ من الأدب؟ ساعياً في إجابته إلى إثبات أنه ضرب من تحليل الخطاب مثلما هو ضرب من تحليل الإنسان من خلال كلماته.

نتعرف على تغيّرات التحليل النفسي من خلال مفردات المعجم

في موضع آخر، ينبّه الكاتب إلى أن الأدب ظلّ "يشكّل دِرعاً واقياً للتحليل النفسي، وظلّ هذا الأخير يتمسّك به، ويطارده حتى يظهر له لمَعان النفس. تلك مفاهيم تطوّرت منذ هوميروس إلى اليوم". ويرى أنه عند جرْد الأعمال الأدبية والفلسفية والفنية التي رافقت التحليل النفسي ورافقها التحليل النفسي فإننا سنعتبر أن "كل الفلسفة وكل الأدب وكل الفن هو سعي لقول الحقيقة كما هدف إلى ذلك التحليل النفسي".

في ترتيبه الهجائي، يُفتتح المعجم بكلمة "اختلاق" التي اختارها لنقل مفردة Fiction في اللغات اللاتينية، ويوضح عبد الغني أنّ "جاك لاكان استعمل مصطلح اختلاق لكن ضمن دلالة جديدة، فهو لا يشير إلى الشيء الكاذب، بل يستعمله بمفهوم الإنشاء العلمي"، أي أنّ "له من المشترك مع الحقيقة أكثر ممّا له مع الكذب". وفي هذا الصدّد يقول إن "الحقيقة مبنية بوصفها اختلاقاً".

على هذا النحو، يمضي المؤلِّف في شرح المفردات ذات الصلة بنظرية التحليل النفسي مع وضع المراجع التي استند إليها أسفل كلّ مفردة، وكيف تعامل معها واختلف في النظر إليها النقّاد واللغويون وعلماء النفس وغيرهم من الأعلام الذين أوردهم الكتاب بشكل مبسّط موّجه لعموم القرّاء.

معجم تمهيدي لنظرية التحليل النفسي للأدب - القسم الثقافي

يتعرّف القارئ على التغيّرات في مشهد التحليل النفسي من خلال بعض مفردات المعجم، مثل "تأويل" (Interprétation)، حيث يكتب عبد الغني أن "آلية التأويل عرفت انكفاءة كبيرة، إذ إنه بالرغم من تحليل الأعراض وتأويلها بغرض وعي المعالَج بها، فهذه الأعراض استمرت في الوجود، ممّا دعا لاكان إلى تفسير انخفاض نجاعة التأويل بعد عام 1920 بوجود ما سماه بالانسداد". وكذلك الأمر مع مفردة "ذاكرة" (Mémoire)، حيث يذكّر عبد الغني، مع الفيلسوفة البريطانية ميري ورنوك، أن "الذاكرة والهوية الشخصية مرتبطتان بعُرى لا تنفصم، إذ لا يُعدّ أيّ من المفهومين سابقاً على الآخر أو قابلاً للانفصال عنه". وهذا الإحساس بعدم الانفصام يمثّل نقطة انطلاق مركزيّة للفن، خصوصاً "فنّ المرحلة الرومانتيكية".

وحول مفردة "معنى" (Sens)، يبيّن المؤلّف أن الخطوات الأولى لتطبيق التحليل النفسي على الأدب تتجسّد في ممارسة التأويل، من أجل استخراج المعنى من النص، سواءً كان هذا الأخير مرتبطاً بحياة الكاتب أم لا. والبحث عن المعنى هو ما يبرّر المناهج وتطبيقات القراءة التي تسندُها؛ فالمعنى موجود قبل التدخّل النقدي، ويحظى بقبول الجميع رغم عدم حياد التدخّل، لكنّه يتلاقى بدقة مع ما ينتجه هذا التدخّل.

المساهمون