استمع إلى الملخص
- **يتناول الكتاب استراتيجيته بعد النصر على إيران عام 1988، ودراساته التحليلية، وحملة إنهاء التمرد في الشمال الكردي، وأزمة غزو الكويت وتداعياتها، بما في ذلك مؤتمر صدام حسين في 1990.**
- **يتألف الكتاب من ثلاثة أقسام تتناول مسيرته العسكرية والسياسية، التمردات في العراق، شخصية صدام حسين، والأيام الصعبة من الحصار إلى الاحتلال، مع ملاحق لشهادات عناصر عاصروا أحداثًا مهمة.**
ضمن سلسلة "مذكرات وشهادات" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر كتاب "الأزمة – مذكرات مقاتل"، وهو الجزء الثاني من مذكرات العسكري العراقي نزار عبد الكريم فيصل الخزرجي، بعد عشر سنوات من صدور الجزء الأول عن المركز بعنوان "الحرب العراقية - الإيرانية (1980 – 1988) – مذكرات مقاتل".
يستذكر المؤلّف رحلته في الجيش والتكليف برئاسة الأركان وخوضه الحرب ذات الأعوام الثمانية مع إيران في سنتيها الأخيرتين وتحقّق النصر فيهما، ثم انتقاده أداء القيادة في غزو الكويت الذي تسبب في إقالته وتكليفه بمهمة في الجنوب أصيب خلالها بجروح بالغة وكاد يُرسَل إلى إيران أسيرًا، ثم ازدياد مضايقات النظام وملاحقاته له حتى اضطر إلى مغادرة العراق، ولم يعد إليه إلا بعد سقوط النظام.
يقول الخزرجي، في مقدمة الكتاب، إنه كتاب يستأنف الجزء الأول، ويتابع فيه سرد أحداث ما بعد الحرب مع إيران، وما سماه "الحملة الشاملة لإنهاء التمرد في الشمال الكردي"، وملابسات تركه العراق في عام 1996. ويستعرض فيه أيضًا استراتيجيته في العمل خلال ترؤسه الأركان العامة بعد النصر العراقي العسكري على إيران عام 1988، وكيف أعدّ أفضل ضباط الأركان سلسلة طويلة من الدراسات التحليلية للإخفاقات والإنجازات في سنوات الحرب الثماني، والمعضلات التي واجهت القطعات. ويشير في ذلك إلى أن من أهم إنجازات تلك الدراسات صياغة العقيدة القتالية للقوات المسلحة العراقية، وفقًا لأحدث معايير التنظيم والإعداد والتدريب والتجهيز والتسليح، ورفع القدرة على تحديد التهديدات الداخلية والخارجية ومواجهتها.
يتعرض الكتاب لحملة إنهاء التمرد في الشمال الكردي، و"أزمة" غزو الكويت وتداعياتها
ويتعرض الكتاب لـ "أزمة" غزو الكويت وتداعياتها، وبخاصة مؤتمر 17 أيلول/ سبتمبر 1990 الذي عقده صدام حسين في القيادة العامة للقوات المسلحة لمناقشة تقريرَي الخزرجي اللذين قدّمهما له بوصفه القائد العام للقوات المسلحة. وقد بيّن له الخزرجي فيهما بوضوح مخاطر الإصرار على البقاء في الكويت بعد غزوها ومجابهة قوات التحالف، واصفًا الحرب بأنها "لا أمل لنا فيها". وتطرق الكتاب إلى ردة فعل الرئيس الغاضبة ورفضه الحجج التي قدمها الخزرجي، وأمر بإقالته من رئاسة الأركان في اليوم التالي.
ويرد في الكتاب أن الرئيس صدام كلّف الخزرجي، مع بدء الحملة البرية لقوات التحالف في الكويت، بتشكيل قيادة غربية في الناصرية بالجنوب لصد أي اختراق للعراق من هذه الجهة، على أن تلتحق بالقيادة الجديدة الفيالق والفرق التي ستنسحب من الكويت. إلا أن أيًّا منها لم يلتحق، ثم يعقّب بذكر ما أعقب ذلك من أعمال غوغائية، هاجمت مقرَّه في الناصرية وأصابته بجروح خطرة.
ويُبدي الخزرجي، في الجزء الثاني من المذكرات، رأيه في شخصية الرئيس صدام، وتأثير الأهل والأقارب فيها، والسلبيات التي أنتجتها، والملاحقات والمضايقات التي سبّبها له ولأولاده، والتي لم تترك له سوى خيار مغادرة العراق مع عائلته.
أرفق الخزرجي كتابه بأربعة ملاحق لشهادات عناصر عاصروا أحداثًا بالغة الأهمية وشهدوها حيةً
يتألف كتاب الأزمة – مذكرات مقاتل من ثلاثة أقسام (القسم الأول ثلاثة فصول، والقسم الثاني – وهو أطولها - سبعة فصول، والقسم الثالث ثلاثة فصول). وبعد توطئة استعرضت مرحلة ما قبل الحرب العراقية - الإيرانية والتقارب مع "سورية الأسد"، والتعاون العسكري مع الأردن وتطورات ما بعد نجاح الثورة الإيرانية على الساحة العراقية، تناول القسم الأول، "جردة حساب: ما بعد الحرب العراقية - الإيرانية"، ثلاثة محاور. أولها مواطن القوة ومواطن الضعف بعد الحرب، وثانيها الدراسات العسكرية والاستراتيجية بعد الحرب، وثالثها التهديدات الداخلية (التمرد الكردي، الطائفية) والخارجية (التهديد الإسرائيلي) للعراق.
في القسم الثاني "الأزمة: السياقات والمآلات"، أربعة محاور رئيسة. تناول الأول غزو الكويت والمفاجأة التي أحدثها وإدارة الصراع مع العالم بعده والفكر الاستراتيجي لدى القيادة العراقية. وعُني الثاني بإعفاء الخزرجي من منصبه وما أحاط به من ملابسات. وركّز الثالث على تكليف الخزرجي بعد إعفائه من رئاسة الأركان بمهمات رسمية في الشمال والغرب. وتمحور الرابع حول سقوط الناصرية خلال خدمة الخزرجي بين أيدي الشيعة المتحالفين مع الاحتلال الأميركي، وإصابته إصابة بالغة وأسره، وحرص آسريه خلال علاجه على إنقاذ حياته لإرساله إلى إيران حيًّا، ثم تحرير القوات العراقية للناصرية وطرد الثوار منها وإعادته إلى بغداد.
أما القسم الثالث، "ما إن وضعت الحرب أوزارها"، فيتكوّن من ثلاثة محاور. في الأول، يذكر الخزرجي التمردات التي جدّت في شمال العراق وجنوبه وإنهاءها بالقوة وما ساد بعدهما من أوضاع، كما يدلي فيه برأيه في اقتراح الرئيس صدام في بداية عام 1990 العمل بدستور جديد للعراق، ويبين أنه وإن بدا ديمقراطيًّا في الظاهر فإن هدفه المتواري بين الأسطر هو إضافة صلاحيات جديدة إلى الرئيس. ويدور الثاني حول شخصية صدام حسين وعائلته وأقربائه. ويُعنى الثالث بالأيام الصعبة في العراق، التي بدأت مع الحصار والتحرشات والقوانين الدولية الجائرة، ولم تنته إلا باجتياحه وإزالة حكمه.
أرفق الخزرجي كتابه بأربعة ملاحق لشهادات عناصر عاصروا أحداثًا بالغة الأهمية وشهدوها حيةً، فأضفت على مادة الكتاب قيمة إضافية.
يُذكر أن الفريق أول الخزرجي له ما له، وعليه ما عليه؛ فمع اعترافه بأنه اشترك إثر ترؤسه هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة العراقية في تموز/ يوليو 1987، السنة الختامية للحرب العراقية - الإيرانية (1980-1988)، في حملة الأنفال على المناطق الكردية (وكانت قد استُهلت قبل تسلّمه منصبه)، التي اتُّهم فيها النظام السابق بقصف 200 قرية كردية بالغازات الكيميائية وتسببه في مقتل الآلاف من المقاتلين والمدنيين الكرد، فإنه ذكر في الجزء الأول من كتاب مذكراته أنه تعهد للرئيس صدام حسين بالنصر خلال عام واحد، وهو ما حصل. وقد شارك الخزرجي في سائر الحروب التي خاضها الجيش العراقي منذ مطلع السبعينيات، ومنها حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، حيث شارك في جبهة الجولان.
أما في عام 1990، وحينما جنح الخزرجي إلى الواقعية البنّاءة مع الرئاسة عشية حرب الخليج الثانية (حرب تحرير الكويت) ناصحًا بعدم القدرة على المجابهة نظرًا إلى معطيات رقمية وتقنية، أُعفيت تلك القيادة العسكرية المحنّكة من منصب رئاسة الأركان. فكان ما كان مما توقعه من حملات قصف جوي واسعة النطاق، شنتها قوات تحالف 37 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، بداية من 17 كانون الثاني/ يناير 1991، تمهيدًا لتحرير الكويت، بلغت أكثر من 100 ألف طلعة جوية أسقطت 88500 طن من القنابل ودمرت البنية التحتية والعسكرية على نطاق واسع في كل من الكويت والعراق. وقضت على خيرة عناصر الجيش العراقي وضباطه، نتيجةَ عشوائيةِ الانسحاب من الأراضي الكويتية التي جعلت فرق الجيش وآلياته مكشوفة وهدفًا سهلًا. واستتبع ذلك فرض حصار شامل على العراق، لم يسبق أن واجهته أي دولة في العصر الحديث، استمر ثلاثة عشر عامًا وانتهى باحتلاله في عام 2003.
في حين لو بقي العهد بالخزرجي على رأس القوات المسلحة حتى يوم المنازلة، لكان على الأقل قد نجح في تنظيم انسحاب القوات وعدم فكّ الاشتباك مع العدو إلا بعد بلوغ الحدود الدولية للعراق، ولَما كانت مفاوضات خيمة صفوان بين منتصر ومهزوم، بل بين ندّين: جيش لا يزال متماسكًا داخل حدوده ويدافع عنها، وتحالف دولي استعاد الكويت إثر الغزو.