منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013، واصلت السلطات في مصر سياستها لقمع الناشطين والمؤسسات المنخرطة في الشأن العام، وكذلك الحريات الثقافية، وهو ما ترصده "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" في تقرير أصدرته حديثاً بعنوان "451 فهرنهايت على الطريقة المصرية"، حيث وثّقت غلق وهدم خمسين مكتبة ومسرحاً ومبادرة ثقافية خلال سبعة سنوات؛ أي في الفترة من 2014 حتى 2020.
ومن بين هذه الهيئات والمراكز: "مسرح الأربعين"، والفن ميدان"، و"غاليري تاون هاوس"، و"مسرح روابط"، و"مسرح العبد"، و"مسرح السلام"، و"مكتبات الكرامة العامة" بفروعها الستّة، و"مكتبة اليرموك"، وسبعة وثلاثين فرعاً لمكتبات "ألف"، إلى جانب التضييق والتهديد بغلق خمس مكتبات ودور ثقافية، هي: "دار نشر ميريت"، و"مكتبة التفوق العلمي"، و"مكتبة 6 أكتوبر"، و"مكتبة البلد"، و"مسرح البالون".
وفي ما يشبه ما حدث من حرق للكتب في رواية "451 فهرنهايت" للكاتب الأميركي راي برادبري، عّلقت الشبكة بأنه "في الوقت الذي تزعم فيه الدولة أن حقوق الإنسان ليست الحريات المدنية والسياسية فقط، بل هي التعليم والصحة، فإن موقفها من غلق هذه المؤسسات الثقافية يوضح بعيداً عن التصريحات، حقيقة موقفها من دور الثقافة والتعليم. فالدولة تنفذ سياسات الغلق والهدم والحصار للمسارح والمكتبات والمنافذ الثقافية، بواقع أكثر من 7 مؤسسات في العام الواحد".
وقالت الشبكة إن "إغلاق المكتبات والدور والمبادرات الثقافية جرى ويجري على قدم وساق، ويستوي في هذا أن تكون مبادرات ومؤسسات أهلية يملكها ويديرها مواطنون أو شركات خاصة، أو مؤسسات عامة، مملوكة للدولة، أو بالأحرى مملوكة للشعب. كما أنه لا فرق بين مسرح ومكتبة ومنتدى ثقافي أو دار نشر، فالإغلاق لا يستثني أحداً".
ورصدت الشبكة المؤسسات والمبادرات التي أغلقت عام 2014، حيث حاولت السلطة هدم "مسرح الأربعين" بمحافظة السويس، ثم منعت فعاليات "الفن ميدان" وهي مهرجان ثقافي وفني كان يقام شهرياً منذ نيسان/ أبريل 2011 في ميادين القاهرة وعدد من المحافظات بهدفه نشر الثقافة والفنون وتقديم الخدمات الفنية والإبداعية للجمهور بشكل مجاني.
كما رصدت الشبكة في عام 2015، حصار وغلق مؤسسات ثقافية مثل "غاليري تاون هاوس"، و"مسرح روابط"، وقامت أجهزة أمنية باقتحام دار نشر “ميريت” لصاحبها محمد هاشم وقامت بغلقها. وفي نيسان/ أبريل من العام نفسه، تم هدم "مسرح العبد" في الإسكندرية، والذي يحتوي على مقبرة أثرية، لصالح بناء برج سكني.
وفي عام 2016، تم هدم "مسرح السلام" بالإسكندرية، كما أغلق الأمن سلسلة "مكتبات الكرامة" وعددها ستّة، وهي التي أنشأها المحامي الحقوقي جمال عيد، مدير "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، بعد حصوله على جائزة "المُدافع عن الكرامة الإنسانية" في برلين.
ثم أُغلقت في عام 2017 "مكتبة اليرموك" في محافظة بورسعيد، وتمّ إلقاء كتبها في الشارع، فضلاً عن محاولات غلق مكتبتي "التفوق العلمي" و6" أكتوبر" في بورسعيد. وفي أيلول/سبتمبر من نفس العام، قامت قوات الأمن بإغلاق مكتبة البلد بوسط القاهرة، ومصادرة الكتب والأثاث ومحتويات المكتبة واحتجزت اثنين من العاملين فيها ومنهم مديرها، واستمر إغلاق المكتبة حتى كانون الثاني/ يناير الماضي، حيث استقبل عدد كبير من الشباب المهتمين بالثقافة ومن جمهور المكتبة خبر عودة المكتبة إلى العمل واستقبال جمهورها من جديد بداية من يوم 1 شباط/ فبراير الماضي بحفاوة كبيرة.
وكانت حصيلة عام 2019 غلق كل مكتبات "ألف" (37 مكتبة) في عشر محافظات في مصر، وهي سلسلة تمتلك فرعاً في المملكة المتحدة، وتعد المكتبة منصة ثقافية مستقلة غير تابعة لأي حزب ديني أو سياسي وتتميز بالتنوع الثقافي حيث تمتلك العديد من الكتب الأدبية والتاريخية والدينية والسياسية، وتتعامل المكتبة مع أكثر من 400 دار نشر وتوظف عدداً كبيراً من العمال، وهي مملوكة للمحلل الاقتصادي البارز عمر الشنيطي.
ولم يتم الاكتفاء بقرار التحفظ والغلق، ولكن تم القبض عليه في منزله يوم 25 حزيران/ يونيو 2019، وحبسه احتياطياً على ذمة التحقيقات التي تجريها نيابة أمن الدولة العليا في القضية رقم 930 لسنة 2019، والمعروفة إعلامياً بـ"تحالف الأمل". وفي العام ذاته، رصدت الشبكة أيضاً محاولات هدم "مسرح البالون" و"السيرك القومي" لبيع أرضيهما.