بعد مجزرة "المستشفى الأهلي المعمداني" في غزة، والتي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي عشية الثلاثاء الماضي، شهدت العاصمة اللبنانية بيروت، أمس وأوّل أمس، تظاهرات احتجاجية للتنديد بجرائم الإبادة الجماعية. وقد توجّهت هذه التظاهُرات في أغلبها إلى السفارات الغربية: الأميركية والفرنسية والألمانية، كما كان لبعض الفعاليات الثقافية دورٌ في التحشيد لها.
التقت "العربي الجديد" الناشطة السياسية رهف دندش، كواحدة من المجموعة التنظيمية التي دعت للاحتجاج أمام السفارة الألمانية في بيروت، مساء أول أمس، تحت شعار "ألمانيا شريكة في الإبادة". ولفتت دندش في حديثها إلى أنه لا يُمكن على الإطلاق الصمت أمام ما تتعرّض له غزة من جرائم إبادة، وأن التظاهر أقلّ ما يُمكن فعله على مستوى الساحات العربية. "نتّجه ضدّ السفارات المُطبّعة، كما حدث الأسبوع الماضي عندما تظاهرنا أمام السفارة المصرية، وكذلك ضد سفارات دول تدعم الاحتلال، كما نفعل اليوم".
التظاهر عتبة أولى، والآن نُصعّد من خلال الإضراب العام
وتضيف: ما زلنا نتوخّى التحرّكات السلمية، لكن مقارنةً بما يعيشه أهلُنا في غزّة، فأيّ شيء نقوم به هو سلميٌّ بالفعل. في النهاية المُواجهة مشروعة وواجبة وافتتحتها المقاومة الفلسطينية. وسنتحرّك ضدّ كل دولة لها مصالح اقتصادية مباشرة في بلدنا. كما أننا في موقعنا هذا نقول: لا نريد الانجرار وراء مشاريع التطبيع التي تُروّج لها دول عربية".
وحول السياسة الألمانية في تطويق بعض الأنشطة الثقافية العربية، وربطها بجملة من التمويلات والمنح، وانعكاس هذا على المشاركة في هذه الوقفة الاحتجاجية، تقول لـ"العربي الجديد": "للأسف نحن في واقع لا تُبدي فيه بعض المؤسسات والأفراد في القطاع الثقافي أي تضامن. بل إن قسماً منها لن يشارك في الإضراب الذي سيحدث يوم الجمعة. وسواء كان سبب ذلك تخوّفات أم حسابات خاصة، أو تهديد لمصادر التمويل والأشغال، فهذا واقع مُؤسف نلمسه في كثير من القطاعات الثقافة في لبنان".
وعن الإضراب العام العالمي الذي دعت إليه قطاعاتٌ ثقافية وفنّية اليوم الجمعة، تقول: "من موقعنا خارج فلسطين، أول تحرّك تضامني يتبادر إلى الذهن هو التظاهُر بوصفه وسيلة للضغط. ولنقول لأهلنا في غزة بأننا معكم، وأنّكم لستم وحدكم. وللتذكير أيضاً بأن العدو، ليس فقط الصهاينة، بل داعميهم من المُبرّرين ومنسّقي العلاقات والمُطبّعين معهم. التظاهر عتبة أولى، والآن نُصعّد من خلال الإضراب العام. كما أنّ هناك الكثير من أشكال الدعم المادي والمناصرة. هذه خياراتنا الآن".
أما الناشطة وصول القادري فتقول إن التعويل في دعوات التظاهر على الدعم الشعبي في الشارع، وليس على المجموعات السياسية التي تخشى على مصالحها، فلا تتجاوب كما اللازم. وتتابع في حديثها إلى "العربي الجديد": "نحن مجموعة صغيرة من الأفراد من مختلف الجنسيات، اجتمعنا على قضية نضالية وإنسانية. نعم، النضالات الشعبية الإنسانية واسعة ويُمكن أن تخلق من خلال الانتظام القاعدي، وتكافل جهود المهتمين بالقضايا النضالية عامة والقضية الفلسطينية خاصة. وكل من يرفض الاستعمار السياسي والثقافي والاقتصادي لأي بلد كان".
ضرورة الانخراط في موجة النهوض التحرّري الجديدة، التي شقّتها لنا فلسطين
وتضيف: "الجميع في حالة غضب وحزن شديد لما يحصل في غزّة من جرائم إبادة وتطهير عرقي، واضطهاد منذ أكثر من سبعين سنة. وغالباً في المظاهرات والتحرّكات الشعبية يكون هناك غضب، وهذا غير كاف بل هو ردّ شعبي بسيط مقابل جريمة قتل أكثر من ستمئة شخص في أقل من دقيقة، كما حدث في مجزرة المستشفى الأهلي المعمداني".
كذلك لفتت القادري في حديثها إلى أن هناك فئة من المثقفين، سواء في لبنان أو العالم العربي، ما يزالون يخافون على مصالحهم، ويكتفون بالصمت أو بالتعاطف من بعيد. "ألمانيا، وغيرها من الدول التي تعتبر نفسها 'دولاً حضارية وديموقراطية وراعية لحقوق الإنسان'، تُناصر الكيان الإسرائيلي علناً، وتضع قوانين بالسجن لمن يعتصم أو يدعم القضية الفلسطينية. ولا شكّ في أنها تستغلّ برامج المَنح الثقافية وغيرها، أو حتّى إعطاء وحجب التأشيرات للضغط على بعض الفاعلين الثقافيّين".
وختمت حديثها إلى "العربي الجديد": "من المؤكّد أنَّ البدائل مفتوحة ومتعدّدة لمُحاربة ومواجهة هذا الكيان، وكلّ مَن يدعمه مِن دول استعمارية، علينا تعميق المُواجهة بوجه مصالح هذه الدول والشركات الاستعمارية التابعة لهم، ومصالح نُخبها في المنطقة، والانخراط في موجة النهوض التحرّري الجديدة، التي شقّتها لنا فلسطين اليوم، ضدّ الأنظمة العربية حامية الاستعمار الإسرائيلي والرأسمالي مباشرة عبر التطبيع أو من خلال التوجّهات النيوليبرالية والديكتاتورية التي تضرب العدالة الاجتماعية وتقمع الحريات والإرادات الشعبية".